بعد الانسحاب: تبعات المخطط الأمريكي بأفغانستان
“باتت افغانستان تحت مظلة وسيطرة حكم طالبان”، جملة تعبر عن واقع مرير، فلم تعد طالبان حركة متطرفة يمثلها مجموعة من الإرهابين الذين يقتصر دورهم على إثارة الخوف وقتل الأبرياء من المدنيين، فقد أصبحت ذات سيادة وتمكن رموزها من فرض سيطرتهم على سائر أنحاء أفغانستان”.
كتبت: عواطف الوصيف
البداية
بدأ الأمر بتصريحات نارية وجهها الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فقد حاول كسب تأييد أكبر نسبة من الشعب الأمريكي من خلال التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية تكبدت ملايين الدولارات بسبب مشاركة قواتها في العديد من الحروب بمختلف دول الشرق الأوسط دون فائدة، وأن واشنطن تورطت في عدة أزمات لا ناقة لها فيها ولا جمل، مؤكدا أنه سيعمل على خروج قوات بلاده من مختلف دول الشرق الأوسط وتوفير هذه الأموال في أمور أخرى تعيد بالنفع اقتصاديا على البلاد، خاصة بعد الركود الاقتصادي الذي تسبب فيه فيروس كورونا.
نفذ بايدن ما تعهد به وخرجت القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية، لكن أحيطت هذه الخطوة ببعض الإجراءات التي فرضت علامات استفهام استوجب على الرئيس الأمريكي توضيحها، فقد تركت واشنطن أسلحتها المتطورة تحت سطوة مقاتلي طالبان، والأهم هو أن الحكومة الأمريكية لم تحاول مساعدة الأمريكيين على الخروج من الأراضي الأفغانية، على الرغم من أنهم واجهوا صعوبات عديدة للوصول إلى مطار كابل، وبدلا من أن يحاول بايدن تفسير الأمر، قدم مبررات غير منطقية وهرب من المواجهة.
الهروب الأمريكي
وجهت العديد من التساؤلات للرئيس الأمريكي جو بايدن في مؤتمر صحفي عقد في 31 أغسطس الماضي، أي بعد مرور يوم واحد على انسحاب أخر القوات الأمريكية من الأراضي الأفغانية، وأهتم الصحفيين بمعرفة سر ترك الأسلحة الأمريكية في يد مقاتلي طالبان وما إذا كان لذلك تبعات خطيرة سواء على واشنطن أو العالم، إلا أن بايدن كان حريص على التأكيد في جميع تصريحاته أنه غير قلق من أستحواذ طالبان على هذه الأسلحة وأنه مطمئن أنهم لن يستغلوها بشكل سيء ولن يثيروا أي شغب أو عمليات إرهابية سواء ضد الولايات المتحدة أو غيرها.
وعند مواجهته بأن لا يزال هناك مواطنون أمريكيون داخل أفغانستان يريدون العودة إلى وطنهم بسبب خوفهم مما قد يواجهونه على يد طالبان لكنهم عاجزون عن مجرد الوصول إلى مطار كابل، كان رده أن هناك مجرد عراقيل وأنه على ثقة من أن رموز طالبان لن تمنعهم عن الخروج من البلاد إذا أرادوا، وعند محاولة سؤاله مرة أخرى فر من أمام الصحفيين سريعا وترك المؤتمر الصحفي، مما فتح بابا من علامات الأستفهام حول مخططات الرئيس الأمريكي نفسه.
تساؤلات إعلامية
أعربت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن تعجبها من ردود الرئيس الأمريكي جو بايدن وتساءلت ما إذا كان اختيار بايدن كان خطئا فادحا وقع فيه الشعب الأمريكي، وفكرت عن شكل العلاقات المتوقعة في المستقبل بين الولايات المتحدة وأفغانستان بعد أن استعداد طالبان ليكون حكومة رسمية وليس مجرد حركة متطرفة.
واعتبرت “واشنطن بوست” أن خروج القوات الأمريكية من أفغانستان منح طالبان فرصة فرض سيطرتها على الحكم وهو ما يشكل خطورة قصوى على الأمن الأمريكي خاصة وأن ذلك يحدث بالتزامن مع ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وأعلن ممثلي وقادة طالبان أنهم يسعوا لتشكيل حكومة رسمية سوف تهتم بشؤون البلاد واحتياجات المواطنون، مع التأكيد على رسم مستقبل يتمتع بعلاقات طيبة مع مختلف دول العالم.
والتساؤل الآن يدور حول : “ترى هل بات من الممكن الإعتراف الدولي بحكومة طالبان… وفي حال تم هذا الإعتراف ما هي إذن التبعات؟”
مخطط أمريكي
يرى الكاتب الصحفي والباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي منير أديب، أن الانتصار الذي حققته طالبان في أفغانستان ما هو إلا مخطط أمريكي، حيث قررت واشنطن الانسحاب لكي تمنح طالبان فرصة فرض سيطرتها على الحكم ولتشكيل إمارة إسلامية في هذه المنطقة.
وأشار أديب في تصريحات خاصة للمركز الأوروبي الشمال الإفريقي للبحوث إلى أن الاعتراف الدولي بطالبان سيحدث من مختلف دول أوروبا، فهي الآن تقريبا مدعومة أمريكيا، منوها أن بالتدريج سيكون لممثلي طالبان مقعد في الأمم المتحدة، وسيشاركون في اتخاذ القرارات، مؤكدا أن ذلك يشكل خطورة كبيرة على مختلف دول العالم ومنطقة الشرق الأوسط وسيزيد من احتمالات نشر الإرهاب مجددا.
المارد الصيني والدب الروسي
وبحسب منير أديب، تصرفت الولايات المتحدة بهذا الشكل لأنها تريد أن تجعل من طالبان سلاحا تضرب به الصين وروسيا، منوها أن ذلك بات واضحا من الكلمة التي وجهها الرئيس الأمريكي في 31 أغسطس، حيث هرب من التساؤلات التي وجهت له حول الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والتخاذل في مساعدة الأمريكيون العاجزون عن العودة لوطنهم بالحديث عن التجاوزات التي تمارسها الصين في المنطقة، وضرورة مواجهة الحرب السيبرانية الروسية.
وأكد الكاتب الصحفي منير أديب أن واشنطن لا تعي خطورة القنبلة الموقوتة التي فجرتها، فهي تعيد الخطأ الذي وقعت فيه عام 1979 فقد كانت هي السبب الرئيسي وقتها لظهور حركة طالبان، التي من وقتها وحتى الآن باتت تشكل خطرا حتى على الولايات المتحدة نفسها، مضيفا أن هناك اعتقاد أمريكي أن طالبان سيكون سلاح أمريكي لمواجهة الصين وروسيا، لكن من المؤكد أن ما حدث في 11 سبتمبر سيتكرر مرة أخرى وستتوجه هذه الضربات من جديد.
ألاعيب وأكاذيب طالبان
وعند التطرق للتصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد وتعهداته بأن ترسم طالبان مستقبل أفضل مع مختلف دول المنطقة، أكد أديب أن كل ذلك أكاذيب وشائعات لا أساس لها من الصحة، فمن الصعب أن تسعى رموز إرهابية لخلق علاقات طيبة مع أيا من دول العالم.
واختتم الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي بأنه يتوجب على الصين أن تلتفت لخطورة اضطهادها لمسلمي الإيجور، مؤكدا أن العنصرية التي تتعمد أن تتعامل بها معهم كونهم مسلمين سوف تستغلها طالبان لضرب الصين، بحجة الدفاع عن حقوق مسلمي الإيجور في الصين، وبالتدريج سوف تتحول الصين لأفغانستان جديد، وهذا هو ما تريده الولايات المتحدة.