كيف أصبح سد النهضة سلاح روسيا لتعزيز تواجدها العسكري في الشرق الإفريقي؟

 

 

تمكن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يبث الطمأنينة في نفس كل مصري، بشأن قضية سد النهضة، ولعل من أهم الأسباب التي تؤكد بأن هذا المشروع من الصعب اكتماله، الاضطرابات الداخلية التي تعاني منها إثيوبيا على المستوى الداخلي، فمن جانب تذبذبات بين المسؤوليين ورموز الحكم، ومن جانب أخر الموقف الشعبي المعارض للحكومة الإثيوبية الحالية، ورفض نسبة كبيرة من الشعب لاستمرار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في منصبه، لكن لا شك أن أحيانا ما يتسلل الخوف من إصرار وتعنت آبي أحمد وإحتمالات إتمامه لخطوات الهدف هو التأثير على حصة مصر من مياه نهر النيل.

 

وفي بحث لجميع الزوايا والمحاور التي تتعلق بقضية سد النهضة، لفت نظري صورة قديمة تكشف عن أهم ما ورد بعدد جريدة الأهرام لعام 1977، تلك الصورة التي فحت بابا من التساؤلات العديدة، وزادت علامات الأستفهام التي تتعلق بروسيا أكثر بعد التصريحات التي أدلى بها مندوب الاتحاد الروسي في الاتحاد الأوروبي فلاديمير تشيجوف، التي كانت تأييدا لموقف إثيوبيا وموافقة صريحة على استكمال مشروع سد النهضة، فترى هل لروسيا أي مصلحة في استكمال مشروع سد النهضة.. هل من الممكن أن تساعد روسيا ماليا لإتمام المشروع.. وما موقف مصر من موسكو في هذه الحالة؟

 

 كتبت: عواطف الوصيف

 

صورة وتاريخ طويل

 

 

تصدرت الصفحة الأولى من عدد جريدة الأهرام لشهر يوليو  1977 عدة أخبار، منها ما يتعلق بجهود الرئيس محمد أنور السادات على المستويين السياسي والاقتصادي، وتفاصيل على مؤتمر جنيف، وتهنئة الشعب بعيد ثورة يوليو، وخبر مميز جاء بعنوان :” تعاون إسرائيلي سوفيتي مع إثيوبيا”، وتتعلق تفاصيل الخبر بتعزيز التعاون بين الدول الثلاث على المستويين السياسي والاقتصادي، مما استوجب كشف نواح تاريخية طويلة بين الدول الثلاث لكي تكون الإجابات على كافة التساؤلات في محلها.

 

تاريخ العلاقات الروسية الإثيوبية

كشفت وحدة الدراسات الروسية التابعة لمركز الدراسات العربية الأوراسية، في دراسة وبحث تفصيلي تاريخ العلاقات الروسية الإثيوبية من كافة الزوايا مما يعطي تفسيرا لأي انحياز روسي لإثيوبيا.

 

منذ العصر الإمبراطوري

تمتد العلاقة بين روسيا وإثيوبيا إلى القرن التاسع عشر، وقتها كان البلدان يحكمهما النظام الإمبراطوري، وبدأت روسيا القيصرية في البحث عن مد نفوذها لإثيوبيا بعد زيارة القس بورفيريج أوسبنسكي للقدس، بتكليف من المجمع المقدس، في مهمة سرية لتعزيز نفوذ بلاده في الشرق الأوسط.

 

أجريت الزيارة في خمسينيات القرن التاسع عشر، وبعد مقابلة قساوسة إثيوبيين، أوصى أوسبنسكي بتعاون روسيا وإثيوبيا، قائلًا: “أعتقد أن إثيوبيا مؤهلة للصداقة مع روسيا بفضل تاريخهما الطويل، وثقافتها ودينها المميزين، ووحدتها السياسية، وفوق كل هذا صراعها مع المحمديين”، وبكلمة المحمدين يقصد المسلمين”

 لم تتلق توصية أوسبنسكي أي صدى إلا بعد وقتٍ طويل، وفي سبعينيات القرن التاسع عشر تجاهلت روسيا رسائل الإمبراطور الإثيوبي يوحنس الرابع، التي طلب فيها المساعدة في صراعه مع العثمانيين.

 

مغامرين روسيا

في نهايات القرن التاسع عشر، ظهرت محاولات فردية من مغامرين روس للتواصل مع إثيوبيا، بدأها المستكشف القوزاقي نيكولاي أشينوف في 1883، حين حاول إقامة علاقات دينية وسياسية بين روسيا وإثيوبيا، بعد أن وافق الإمبراطور أليكساندر الثالث – دون إعلان رسمي – على حملته التي سعى فيها لإقامة وجود روسي في القرن الأفريقي، لكن مستعمرة روسيا الجديدة التي بناها محل قلعة سجالو في جيبوتي لم تعش طويلًا بعد أن هاجمها الفرنسيون، لتفشل جهود أشينوف ويتبرأ منه الروس تفاديًا للمشكلات الدبلوماسية.

وفي عام 1889، أرسلت روسيا بعثة أصغر لكنها رسمية هذه المرة، ضمت الدبلوماسي الروسي فيكتور مشكوف، الذي عرض على الإمبراطور الإثيوبي الجديد، منليك الثاني، الدعم العسكري من القيصر، وكان يأمل في حصول روسيا على ميناء على البحر الأحمر، وعاد مجددًا في 1891 مع بعثة جغرافية، وقارب محمل بالأسلحة لدعمهم في صراعهم ضد الإيطاليين.

 

 

 

 

تبعت الكنيسة خطوات مشكوف بإرسال بعثة تبحث في إمكانية توحيد الكنيستين الأرثوذكسيتين الروسية والإثيوبية، لكن الإمبراطور الإثيوبي لم يُبدِ اهتمامًا سوى بالدعم العسكري والعلمي، وأرسل مجموعة من الطلاب للدراسة في روسيا، كان أحدهم تكلا هواريات، الذي أصبح لاحقًا وزيرًا للمالية ومشاركًا في كتابة الدستور ومتحدثًا أمام عصبة الأمم لعرض قضية بلاده بعد العدوان الإيطالي عليها عام 1930.

وفي 1896 أرسلت روسيا بعثة طبية أنشأت أول مشفى حديث في تاريخ إثيوبيا، وفي 1898 أوفدت بعثة دبلوماسية فوق العادة إلى أديس أبابا رأسها السفير بيوتر فلاسوف، لتبدأ رسميًّا العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وإثيوبيا.

 

إثيوبيا سلاح السوفيت للضغط على مصر

تراجع الاهتمام الروسي بإثيوبيا بعد قيام الثورة الروسية في 1917، ورغم هذا التراجع كانت روسيا القوة العظمى الوحيدة التي دعمت إثيوبيا في عصبة الأمم بعد الاجتياح الإيطالي عام 1935، وفي 1943، افتتح الاتحاد السوفيتي سفارةً له في أديس أبابا، وكانت إثيوبيا أول دولة يوجه لها الاتحاد السوفيتي مساعدات ضمن برنامج المساعدات الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن هذه الخطوات عجزت عن جعل الإثيوبيين حليفًا أمنيًّا للسوفيت طوال الخمسينيات والستينيات، خاصة في ظل العلاقة القوية بين الإمبراطور الروسي هيلا سيلاسي والولايات المتحدة، ولهذا بحثت موسكو عن فرصة أخرى في منطقة البحر الأحمر، وتوجهت نحو إقامة علاقات ودية مع الصومال، خاصةً في ظل طرد الرئيس محمد أنور السادات، للخبراء الروس عام 1972 مما تسبب في هزة كبيرة في علاقة الحليفين المصري والروسي آنذاك.

وبعد وصول نظام الديرج الماركسي لحكم إثيوبيا في 1974، ازدهرت العلاقة مع الاتحاد السوفيتي الذي دعم إثيوبيا عسكريًّا في 1976، ووصل الدعم إلى إمداد إثيوبيا بما يقارب 100 مليون دولار من العتاد العسكري، كان مشروطًا بقطع العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة، وكانت العلاقات في ذلك الوقت بين أمريكا وإثيوبيا قد وصلت لأسوأ أحوالها بدايةً من الاعتراض الأمريكي على انتهاكات حقوق الإنسان، وعدم تعويض الشركات الأمريكية المصادرة أملاكها، وإعلان قيام الدولة على مبادئ الماركسية اللينينية عام 1976.

حاولت موسكو في الوقت نفسه أن تبقي على علاقتها مع الصومال، حتى في ظل الحرب التي شنتها مقديشيو على إثيوبيا، لكنها مالت ناحية إثيوبيا بعد طلب مسؤولين صوماليين دعمًا أمريكيًّا لبلادهم، فرفض بريجنيف، رئيس الاتحاد السوفيتي وقتها، مد الحكومة الصومالية بالمزيد من الأسلحة، وقابله رد صومالي بإلغاء معاهدة الصداقة بين البلدين، وطرد الخبراء السوفيت من البلاد، بل قطع العلاقات الدبلوماسية مع كوبا.

 

مساعدة إثيوبيا

حرص الاتحاد السوفيتي على التعاون مع كوبا وجنوب اليمن، لكي تتمكن إثيوبيا من استعادة الأراضي المتنازع عليها في حربها ضد الصومال، ونقل الاتحاد السوفيتي ما تقدر قيمته بمليار دولار من المعدات والأسلحة إلى إثيوبيا في خلال ستة أسابيع، إضافة إلى 12 ألف جندي كوبي، ونحو 1500 خبيرٍ سوفيتيٍّ.

وبعد نهاية الحرب في 1978، ساعد السوفيت الإثيوبيين على استعادة السيطرة على مدن إريتريا من جبهة التحرير الإريترية التي تحكمت في أغلب تلك المدن، رغم الدعم السوفيتي والكوبي السابق لهذه الجبهة.

 

وفي العام نفسه، وقَّع البلدان اتفاقية الصداقة التي نصت على بنود عسكرية مهمة، منها:

 

– يحق فقط للمسؤولين المحددين من كل دولة الاطلاع على الصفقات العسكرية .

– اتفق زعيما الدولتين على التعاون العسكري، شرط أن تضمن كل دولة قدراتها الدفاعية .

– اتفق الطرفان على ألا يدخل أحدهما تحالفًا أو تجمُّعًا دوليًّا يمكن أن يضر بالطرف الآخر .

– اتفق الطرفان على ألا ينفذ أحدهما أي أعمال عدائية أو يشترك في إجراءات موجهة ضد الطرف الآخر .

 

استمرار الدعم السوفيتي

استمر الدعم السوفيتي في السنوات التالية، وكان حاسمًا في صد هجوم صومالي جديد عام 1980، وفي مواجهة الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا في 1982، وساعد السوفيت الزعيم الإثيوبي، منجستو هيلا مريام، على تثبيت حكمه والانفراد به بعد قضائه على الأحزاب الماركسية المنافسة التي عرفت بـ “الإرهاب الأحمر”، ورغم أن البعض يرى أن التحالف مع السوفيت تسبب في زيادة الانشقاقات والاختلافات في الجبهة الداخلية لإثيوبيا، فإنه بالتأكيد أنقذها من حرب طويلة الأمد مع الصومال.

 

رؤية أمريكية

 يرى المؤرخ الروسي الأمريكي، سيرجيوس ياكوبسن، إن الساسة الروس ذوي البصيرة في العهد ما قبل السوفيتي كانوا ينظرون إلى الاختراق السلمي لإثيوبيا باعتبار أن مكاسبه تفوق التحكم في مقدراتها فقط، فهو مدخل واعد للتأثير في مصر ودول حوض النيل، ولإيجاد موطئ قدم في البحر الأحمر، وللبقاء قريبًا من البريطانيين.

 

الفصل الجديد في العلاقات الروسية الإثيوبية

تركزت العلاقات بين روسيا وإثيوبيا تاريخيًّا على التعاون من الناحيتين الدينية والعسكرية ، وبدرجة أقل، اقتصاديًّا، وما زالت هذه المجالات هي ما يجمع البلدين حتى اليوم، وقد وصل عدد المسيحيين الأرثوذكس إلى نحو 36 مليون نسمة في 2010، لتصبح بذلك ثاني أكبر دولة بعد روسيا في عدد السكان الأرثوذكسيين، وتستمر الكنيسة الروسية في التواصل مع نظيرتها الإثيوبية وتبادل الدعوات.

 

ومع عودة روسيا لقارة أفريقيا، كانت حليفتها القديمة إثيوبيا على رأس اهتماماتها، فوقعت في 2019 اتفاقًا للتعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية مع أديس أبابا، بعد توقيع مذكرة تفاهم في 2017، وجاء التوقيع في الوقت الذي استضافت فيه روسيا عددًا من الزعماء الأفارقة في قمة “روسيا-أفريقيا”، وعرضت وقتها الوساطة بين مصر وإثيوبيا في أزمة سد النهضة، وشهدت تلك القمة وعدًا روسيًّا بإسقاط الديون عن إثيوبيا، المقدرة بنحو 164 مليون دولار، وكان آخر مستجدات التعاون الإثيوبي الروسي هو توقيع اتفاق تعاون عسكري تركز على تحويل قدرات قوات الدفاع الوطني في مجالات المعرفة والمهارة والتكنولوجيا.

 

أزمتي تيجراي وسد النهضة

من المعروف أن روسيا مثل الولايات المتحدة والصين، فهي تتمتع بعلاقات إستراتيجية متينة مع الأطراف الثلاثة لأزمة سد النهضة، ” مصر والسودان وإثيوبيا”،  وهو ما يمنعها من اتخاذ موقف صريح مساند لإحدى هذه الدول، بل جعلتها هذه العلاقات تعرض الوساطة بين هذه الأطراف الثلاث وتحاول أن تقدم مساعدات لإتمام مفاوضات ناجحة، وربما حتى الآن من المستبعد أن تتخذ روسيا موقفًا مساندًا لأحد أطراف الصراع، في ظل مصالحها المشتركة مع الأطراف الثلاثة.

 

روسيا حليف قوي

لا شك أن روسيا يربطها تاريخ طويل من التحالفات مع مصر وكبار الدول العظمى في العالم، ذلك بسبب الإعتماد على السلاح الروسي، فقد وصلت مبيعات الأسلحة الروسية لمصر إلى نحو 4.3 مليارات خلال الأونة الأخيرة، وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أما السودان، فيملك في يده فرصة يبحث عنها الروس منذ زمن طويل، وهي إقامة قاعدة بحرية على البحر الأحمر، وهو اتفاق ما زال السودانيون يبحثون في جدواه، وينص الاتفاق على إنشاء قاعدة إمداد وصيانة للبحرية الروسية قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، وتصل طاقتها الاستيعابية لنحو 300 شخص، وفي المقابل، يحصل السودان على أسلحة وعتاد عسكري من روسيا.

 

وروسيا قادرة على استغلال هذه التحالفات، حتى تتمكن من منافسة الولايات المتحدة الأمريكية في نفوذها على هذه الدول، مثلما فعلت مع الصومال من قبل، ومع إثيوبيا نفسها أثناء حكم هيلا سيلاسي، وفي أحيان أخرى تدافع روسيا عن حلفائها ضد الولايات المتحدة، خاصةً في مجلس الأمن، مثلما فعلت مع إثيوبيا في أزمة إقليم تيجراي حينما تعاونت مع الصين في إجهاض قرار مجلس الأمن حول صراع الإقليم، معللة رفضها بأنه شأن داخلي.

 

تصريح روسي

من أهم الأسباب التي جعلت روسيا موضع تساؤل حول حقيقة موقفها من سد النهضة، هو ما قاله مندوب الاتحاد الروسي في الاتحاد الأوروبي ڤاسيلي نيبينزيا في شهر يوليو الماضي، فقد أكد أن موسكو تتفهم تماما موقف مصر والسودان من سد النهضة وتخوفهما من إتمام هذا المشروع وإحتمالات تأثيره على حصتهما من نهر النيل، لكن في نفس الوقت يرى أن إثيوبيا يحق لها إتخاذ هذه الخطوة.

وبرر نيبينزيا موقفه المؤيد  لمشروع سد النهضة بأن إثيوبيا بلد يعاني من الانقطاع المستمر للكهرباء وبالتالي يحق لها أن تبحث عن أي وسيلة تساعدها على أن تكون الكهرباء لديها جيدة، وتوفر لها الطاقة ومزيدا من فرص العمل لجميع الفئات من الشعب.

 

مندوب الاتحاد الروسي ڤاسيلي نيبينزيا

 

كانت تصريحات المندوب الروسي في الاتحاد الأوروبي ڤاسيلي نيبينزيا سببا في فتح مجلدات تاريخية كشفت عن طبيعة العلاقات الروسية الإثيوبية منذ عقود من كافة النواحي الدينية والاقتصادية، وعند النظر لهذه التصريحات والمجلدات علاوة على ما ورد في عدد جريدة الأهرام لعام 1977، يستوجب الإجابة على العديد من التساؤلات، التي في الإجابة عليها سيتضح ما إذا كان هناك احتمالات لمساعدات روسية خفية لإتمام مشروع سد النهضة.

الود الروسي الإثيوبي

أكد الدكتور ناصر مأمون عيسى الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والشأن الإفريقي، أن التصريحات التي أدلى بها المندوب الروسي في الاتحاد الأوروبي طبيعية جدا، فعلى الرغم من أن روسيا ليس لها أي مصلحة مباشرة بناء سد النهضة، لكن مصلحتها هي بناء نوع من الود بينها وبين إثيوبيا، ذلك لأن إثيوبيا أهم دولة في منطقة شرق إفريقيا، تلك المنطقة الساخنة والمعنية بمصالح دولية مهمة، كما أن إثيوبيا معروفة بأنها عاصمة الدبلوماسية الإفريقية.

وأشار عيسى في شرح واف للمركز الأوروبي الشمال الإفريقي للبحوث إلى أن السبب وراء تسمية إثيوبيا بـ “عاصمة الدبلوماسية الإفريقية”، هو أنها المقر الذي يقع فيه الاتحاد الإفريقي علاوة على أغلب المنظمات الدولية ذات الشأن الإفريقي متواجدة في أديس أبابا، مما يوضح أنها دولة هامة على المستويين الإفريقي والشرق الإفريقي بصفة خاصة.

 

                                                                         الدكتور ناصر مأمون عيسى الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والشأن الإفريقي

 

التهميش الروسي

 

وأوضح مأمون أن روسيا تعاني من التهميش في إفريقيا خاصة إذا قورنت بنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية والصين في القارة السمراء، لذلك فإنها تجتهد ليكون لها مو     ضع قدم في إفريقيا وخاصة منطقة شرق إفريقيا التي يمكن أن توصف بأنها “دكاكين عسكرية”، على ساحل البحر الأحمر، منوها أن أغلب الدول الغربية لها مواقع عسكري في هذه المنطقة، فعلى السبيل افتتحت الصين في 2017 قاعدتها العسكرية في جيبوتي، ورسيا تريد أن لا تقل مكانتها العسكرية عن غيرها من الدول الغربية في هذه المنطقة، منوها أن تواجدها العسكري في هذه المنطقة سوف يحمي مصالحها الإقتصادية وتجارتها أيضا.

اتفاق روسي مع البشير

وأفاد دكتور ناصر أن روسيا حاولت أن يكون لها موضع قدم عسكري في منطقة الشرق الإفريقي من خلال إتفاقية أبرمتها مع عمر البشير أثناء رئاسته للسودان قبل الثورة التي أشتعلت ضده في البلاد، وبعد الثورة وبتدخل أمريكي ألغيت هذه الإتفاقية وخسرت روسيا فرصتها التي كانت ستساعدها على تثبيت تواجدها العسكري في هذه المنطقة ذات المياه الدافئة، فروسيا ليس لها أي موطيء عسكري إلا في المياه المتجمدة.

وبحسب نأصر مأمون عيسى، فإنه مع خلع نظام البشير وجهت روسيا بوصلتها لإثيوبيا لتساعدها على أن يكون لها موطيء قدم عسكري في هذه منطقة الشرق الإفريقي، لذلك تعمل الآن على إبداء تصريحات مؤيدة لها.

 

مصلحة روسيا مع مصر

وفي محاولة لمعرفة موقف روسيا وما إذا كانت لا تمانع في خسارة علاقاتها مع مصر في بسببها توددها لروسيا وتأييدها لإثيوبيا، أفاد أستاذ العلاقات الدولية والشأن الإفريقي أن روسيا لن تجرأ على معاداة مصر، فموسكو تعي جيدا أن مصر معنية بالاستقرار ليس فقط في منطقة الشمال الإفريقي، وإنما في الشرق الأوسط ككل، فإستقرار مصر هو أساس الاستقرار في المنطقة ككلز

 

وأضاف مأمون أن التأييد الروسي لإثيوبيا، هو تأييد دبلوماسي ولا يزيد عن المجاملة دون إنكار حق مصر في الحفاظ على حقها وحصتها من مياه نهر النيل، والدليل هو ما قاله مندوب روسيا في الاتحاد الأوروبي، فقبل أن يؤيد مشروع سد النهضة ويبرر لإثيوبيا خطواتها في إتمام هذا المشروع، بدأ حديثه بالتأكيد على الإعتراف بأن لمصر الحق في الدفاع عن حصتها من مياه نهر النيل، فمصر معنية بحماية مصالح هامة لروسيا في المنطقة لذلك هي لا تجرأ على معاداتنا بأي صورة من الصور.

 

 

مرجع:

https://eurasiaar.org/article/security-council-russia-dam-renaissance/