“إنقلاب السودان”.. خطر يهدد مصالح إثيوبيا وداعم لواشنطن في إفريقيا
لا يزال السودان محض مناقشات عدة بسبب الانقلاب العسكري الذي أنفجر منذ أيام، ولأن السودان بلد ذات أهمية خاصة في القارة السمراء، فتطرح العديد من التساؤلات عن مدى تأثير هذا الإنقلاب، فترى سيساعد على تعزيز الاستقرار في القرن الإفريقي، أم أن الأمور ستزداد سوءا، وبالتزامن مع ما طرحه السودان من محاور ودلالات، تأتي إثيوبيا لتلفت لها الإنتباه وتطرح السودان مزيدا من علامات الاستفهام.
كتبت: عواطف الوصيف
غضب شعبي
لم تنل خطوة الإنقلاب العسكري الذي قاده رئيس القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان رضاء الشعب السوداني، الذي أعتبر أن حل المجلس السيادي، ما هو إلا لعبة قادها البرهان من أجل فرض سيطرته على البلاد، وتطورت الأوضاع لما هو أسوأ.
خرج العشرات من المدنيين لشوارع الخرطوم وتم إحراق الإطارات، كما تم نشر قوات الدعم السريع في شوارع العاصمة الخرطوم، مما جعل عبد الفتاح البرهان يجد ضرورة للخروج والإدلاء بتصريحات تكشف عن نواياها والأسباب التي جعلته يقدم على الإنقلاب ضد ممثلي المجلس السيادي.
البرهان يرد
أكد عبد الفتاح البرهان في تصريحات رسمية أنه وجد في الإنقلاب على المجلس السيادي ضرورة قصوى، فقد زادت الخلافات بصورة غير عادية، وأصبح كل فرد من المسؤولين يفكر في مصلحته الشخصية دون النظر لما تعانيه البلاد من أزمات على المستويين السياسي والاقتصادي، ودون اعتبار متطلبات الشعب، فكان الإنقلاب هو أفضل خطوة لتحقيق الاستقرار.
وأشار البرهان أيضا أكثر من مرة إلى أن الجيش لا يطمع في الحصول على أي منصب، منوها أنه لا يوجد أي فرد من أفراد الجيش سيطمحون للسلطة، علاوة على تطمين الشعب بأن الانتخابات سوف تجرى بطريقة نزيهة تماما ودون تدخل من أيا من أفراد الجيش، لكن هناك من خرج على الساحة ولفت له الإنتباه
إثيوبيا تعقب
لا خلاف على أن القضية تتعلق في المقام الأول بالسودان، لكن إثيوبيا لم تبالي بأزماتها الداخلية وحالة التخبط والإضطرابات بين ممثلي الحكومة والشعب، وحرصت على الخروج للإدلاء بتصريحات تعرب بها عن موقفها حيال الأوضاع التي شهدها في السودان، خاصة بعد أن تسببت الإحتجاجات السودانية في مقتل العديد من الأشخص.
أكدت الخارجية الإثيوبية في بيان رسمي تتبعها لكل ما يشهده السودان من تطورات، وطالبت بإحترام إرادة الشعب السوداني، وعدم تدخل أي جهات خارجية في الشأن الداخلي السوداني، مع الإشارة إلى أن الحكومة الإثيوبية حريصة على تعزيز العلاقات الأخوية بين الشعبين السوداني والإثيوبي.
محاولة للتباهي
وحاولت الخارجية الإثيوبية أن تتباهى عبر بيانها، حيث ذكرت الدور الذي قامت به إثيوبيا، والذي كان توسطا لتشكيل حكومة ائتلافية مكونة من عنصري المدنيين والعسكريين، مطالبة جميع الأطراف بالهدوء ووقف التصعيد وإنهاء الأزمة بصورة سلمية.
وبالطبع يبدو من بيان الخارجية الإثيوبية أن مجرد تصريحات دبلوماسية الهدف منها هو وقف التصعيد وإنهاء الأزمات دون اللجوء للعنف أو إراقة الدماء، لكن إثيوبيا بلد تريد حكومتها إتمام مشروع سيؤثر على حصة “مصر والسودان” من مياه نهر النيل، كما أن السودان وقفت ضد إتمام هذا المشروع، أي أن السودان بلد يقف ضد مصلحة إثيوبيا ورئيس حكومتها آبي أحمد.
وعند قراءة بيان الخارجية الإثيوبية يتضح أن حكومة آبي أحمد مع إرادة الشعب الرافض للإنقلاب، أي أنها ضد الخطوات التي قام بها رئيس القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان، وهو ما يستوجب طرح عديدا من التساؤلات.. “ترى ما سر رفض إثيوبيا لإنقلاب الجيش السوداني على المجلس السيادي…. وهل من الممكن أن يستغل آبي أحمد التطورات الجارية في السودان لمصلحته لإتمام مشروع سد النهضة؟”
السودان بين الجناحين المدني والعسكري
يرى الدكتور ناصر مأمون عيسى الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والشأن الإفريقي، أنه قبل الإلتفات للبيان الصادر عن الخارجية الإثيوبية، يستوجب أولا توضيح أن الإنقلاب العسكري الذي شهده السودان، تم بسيطرة الجناح العسكري بالمجلس السيادي على مجريات الأمور داخل البلاد، منوها أنه ساعد على تقوية المكون العسكري على المكون المدني.
وأضاف مأمون في تحليل تفصيلي للمركز الأوروبي الشمال الإفريقي للدراسات أن البيان الصادر عن الخارجية الإثيوبية بشأن أخر المستجدات في السودان يؤكد معارضة الحكومة الإثيوبية لسيطرة الجانب العسكري السوداني على مجريات الأمور، مؤكدا أن موقف إثيوبيا المعارض لتولي العسكر ليس لحرصها على تطبيق الديمقراطية كما تدعي، فهي تريد أن يكون السودان تحت مظلة حكم مدني، لأن الجناح المدني بالمجلس السيادي السوداني في حقيقته إثيوبي الهوى.
الموقف المدني السوداني وسد النهضة
وأفاد ناصر أن الجانب المدني السوداني برئاسة عبد الله حمدوك وياسر عباس وزير الري السوداني مؤيد ومساند وبشدة للرؤية الإثيوبية التي تتعلق بمشروع سد النهضة، منوها أن أي تصريحات إثيوبية ستكون ظاهريا عبارة عن دفاع دبلوماسي لصالح الديمقراطية، لكنها تحمل في طياتها تأييد للجانب المدني السوداني المساند لمشروع سد النهضة الإثيوبي، لذلك أمر طبيعي أن تخرج الخارجية الإثيوبية بمطالبات لإحترام إرادة الشعب السوداني، فذلك الشعب لا يريد الإنقلاب، وهذا الإنقلاب سيعيق الأمر أكثر أمام آبي أحمد، لذلك خرج بيان الخارجية الإثيوبية بهذا الشكل تأييدا للشعب السوداني، لكنه في حقيقته رغبة في عودة المدنيين من جديد.
القومية العربية
وأكد دكتور ناصر أن القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان ميالون للقومية العربية، أي أن موقف العسكر في السودان دائما سيكون عبارة عن توافق مع الرؤي العربية في أي قضي تتعلق بالقارة الإفريقية وهو ما لا تريده حكومة آبي أحمد الحالية، لذلك تميل إثيوبي للمكون المدني على حساب المكون العسكري.
وعند سؤاله عن السلاح الذي قد يستغله رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لتحقيق مصالحه في السودان، قال الدكتور ناصر مأمون عيسى أنه أستغل بالفعل السياسي السوداني عبد العزيز الحلو وجماعته حركة تحرير السودان لإشعال موجة من الإضطرابات في منطقة جنوب السودان الشمالي، موضحا أنه على الرغم من كل هذه المحاولات، إلا أن آبي أحمد لن يتمكن من فعل أي شيء، ومن المتوقع أن يرحل عن السلطة في أي وقت، فقد بات موقفه صعب جدا.
توقعات وتحسبات
وأوضح عيسى أنه من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبل في السودان، تفاهمات بين جميع الأطراف، علاوة على تدخلات وممارسة ضغوط من أطراف خارجية دولية لتقارب الرؤى ووجهات النظر بين الجانبين العسكري والمدني، مشيرا إلى أنه من المتوقع تشكيل حكومة كفاءات كيفما طالب العسكر.
الموقف الأمريكي
ومع بحث كافة الزوايا التي تتعلق بالسودان، خاصة وأنه دول ذات أهمية محورية في الشرق الإفريقي، وبالنسبة لمصر أيضا لفت نظري أنه رغما عن معارضة الولايات المتحدة لما جرى في السودان من قبل الجيش، إلا أن كافة البيانات الأمريكية لم يتخللها كلمة “إنقلاب”.. فترى هل تجد واشنطن مصالحها مع العسكر لكنها لا تريد أن تفصح عن ذلك بشكل صريح؟، وعند مناقشة هذه النقطة مع الدكتور ناصر مأمون عيسى الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والشأن الإفريقي، أفاد أن الحكم السوداني القائم على الجناح العسكري، هو ما سيفيد واشنطن وسيكون فيه تحقيق لمصالحها.
وأضاف مأمون أن واشنطن لا تنسى أن الجانب العسكري السوداني هو الذي أيد إتمام إتفاقية التطبيع مع إسرائيل، وهو أيضا الذي تبنى إتمام إتفاقية مع روسيا لبناء قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر، وهذا عكس الجانب المدني السوداني، الذي دائما كان مؤيد لمصالح إنجلترا والاتحاد الأوروبي، فالجانب العسكري متجانس مع المصالح الأمريكية، إذا واشنطن لن تضحي بالعسكر، ستحاول أن تتدخل لإتمام تفاهمات، لكنها لن تسمح برحيل العسكر حتى لا تتأثر مصالحها بشكل سلبي.