الشاعر اليوناني المتمصر قسطنطين بيتروس كَڤافيس
نتحدث هنا عن أحد أهم شعراء اليونان الذي تعد حياته وأعماله أكبر دليل على التواصل الثقافي والحضاري بين مصر واليونان، وهو الشاعر اليوناني قسطنطين كَڤافيس الذي ولد في التاسع والعشرين من أبريل عام 1863 بمدينة الإسكندرية المصرية، حيث عاش في الأسكندرية طوال سنوات حياته، وكانت عائلته من أشهر العائلات في مجال التجارة وسط المجتمع اليوناني بالإسكندرية. عاش كَڤافيس بين أحياء مدينة الأسكندرية التي عشقها، فهو لم يتركها إلا مرات قليلة، فكان أحيانًا ما يذهب للتنزة في القاهرة، ولم يذهب إلى اليونان إلا أربع مرات فقط، إما زيارات سياحية أو عائلية، أو لتلقي العلاج.
درس كَڤافيس في مدرسة هيرميس الثانوية التجارية بالإسكندرية، وبدأ حياته المهنية متنقلاً بين العديد من الوظائف فيها، حيث عمل كصحفي في جريدة تليغرافوس اليونانية عام (1886)، وعمل في بورصة القطن المصرية عام (1888), ، وكذلك كاتب مؤقت بمصلحة الري في الفترة من (1889-1892).
كَڤافيس هو شاعر الإسكندرية، المدينة المصرية الساحرة، التي كان يوجد بها حوالي ثلاثون ألف يوناني في عام 1917. عشق كَڤافيس الإسكندرية وتاريخها القديم، وعاش فيها شبابه ونضوجه حتى بلغ السبعين من عمره، فهي بالنسبة له البداية والنهاية، و”عاصمة الذكريات”. يعد كَڤافيس أفضل شاعر تحدث عن الإسكندرية في أعماله، حيث تعد أعماله الشعرية أكبر دليل على ذلك المزيج الرائع بين الثقافتين اليونانية والمصرية، فهي بالنسبة للشاعر أعظم مدينة هيلينية في الفن والأدب، كتب العديد من القصائد عنها مثل “المدينة”، “ملوك سكندريون”، “في مدخل المقهى”، “ليلة واحدة”، وغيرها من القصائد التي عبرت عن عشقه لتلك المدينة بكل تفاصيلها، واحدة من أهم هذه القصائد، هي قصيدة “شم النسيم” التي تظهر فيها مصر، وبالتحديد الإسكندرية، بوضوح في عالم كَڤافيس، ويتحدث عن الاحتفال بعيد شم النسيم بها، ويذكر شوارعها، وشعبها، وتاريخها، وبحرها، فهي مدينة العرب المشمسة. لذلك يسهل علينا أن نجد تراث الإسكندرية القديمة في شعر كَڤافيس، فهي المدينة التي أحتوت واحدة من أكبر الجاليات الأجنبية التي عاشت في مصر. كما يعد واحدًا من أفضل الشعراء الأوروبيين اليونانيين المحدثين، حيث يتم تدريس أعماله في الجامعات المختلفة حول العالم، كما تم ترجمة أعماله إلى معظم لغات العالم، ومنها اللغة العربية.
توفي كَڤافيس في المستشفى اليوناني بالإسكندرية، على إثر إصابته بسرطان الحنجرة، في يوم التاسع والعشرين من أبريل عام 1933 وهو نفس يوم ميلاده السبعين، ودُفن في مقابر عائلة كَڤافيس بالإسكندرية. الجدير بالذكر أنه بعد موته حرصت السفارة اليونانية على شراء المنزل الذي قضى فيه آخر سنوات حياته وتم تحويله إلى متحف كَڤافيس، والذي يحتوي على العديد من صور ومؤلفات الشاعر، وبعض مقتنياته، كما تم تسمية الشارع الكائن به المتحف باسم “شارع كَڤافيس” بعد أن كان شارع شرم الشيخ، وقبلها شارع ليبسيوس الذي كان يضم عددًا كبيرًا من أفراد الجالية اليونانية آنذاك.
كتبه/ سماح أنور عبد الغفار