“الإخوان وواشنطن”.. خطر يهدد البرهان في السودان وإسرائيل تراقب عن بعد

 

 

 

عبد الفتاح البرهان رئيس القوات المسلحة السودانية

 

“رغبة في الإصلاح أم انقلاب للهيمنة على السلطة”.. سؤال محير فرض نفسه وأجبر الجميع على التفكير فيه، وبات السودان محور رئيسي في مختلف النقاشات، وترددت علامات الاستفهام، حول الهدف الذي يطمح إليه الجيش، والأهم العناصر التي ستحاول فرض سيطرتها على الساحة السياسية في السودان، وخلال السطور المقبلة سنحاول حل اللغز.

 

 كتبت: عواطف الوصيف

 

انقلاب مفاجيء

تفجرت المفاجأة مع بزوغ فجر 25 أكتوبر الماضي، حيث توالت العديد من التقارير الإعلامية التي تؤكد اعتقال الجيش لعدد من الوزراء والسياسيين البارزين في السودان، من بينهم قيادات “قوى الحرية والتغيير”، وهي المظلة المدنية التي قادت انتفاضة شعبية أطاحت بنظام عمر حسن البشير.

وتبين أن رئيس الوزراء عبد اللّه حمدوك تقرر وضعه تحت الإقامة الجبرية، وأكدت وزارة الثقافة والاعلام أنه نُقل بدوره إلى مكان مجهول بسبب “رفضه تأييد الانقلاب”، كما أنه طالب الشعب بالخروج إلى الشوارع ووضع المتاريس وإعلان رفض الإنقلاب.

وتضمنت قائمة المعتقلين ياسر عرمان، نائب الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان وكانت جماعته المتمردة قد وقعت اتفاق سلام في 2020 مع السلطات الانتقالية متعهدة بالاندماج في الجيش، ومن المعروف أن ياسر عرمان عمل مؤخرا كمستشار لعبد الله حمدوك.

 

 

عبد اللّه حمدوك رئيس الوزراء

 

 

 

صحفيون رهن الاعتقال

لم يقتصر الاعتقال على رموز الدولة من السياسيين فقط، فقد تم إلقاء القبض أيضا على العديد من الإعلاميين والصحفيين، وقد اقتحمت قوات عسكرية مقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان، واحتجزت عدداً من العاملين فيه فيما تمّ قطع الانترنت، في وقت كشف فيه عن تقارير تؤكد توجه عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي إلى تعليق العمل بالوثيقة الدستورية التي تنظم المرحلة الانتقالية في البلاد.

وأعلن رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان فرض حالة الطوارئ في السودان وحل مجلسي السيادة والوزراء، معلنا عن تعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية، وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين، وإنهاء عمل ولاة السودان، مشيرا إلى التمسك باتفاق جوبا للسلام، تلك الخطوات التي وصفتها وزارة الإعلام السودانية بأنها “انقلاب عسكري”.

 

غضب شعبي

أعرب الشعب السوداني عن موققفه على الفور، حيث خرج خرج العشرات من المدنيين لشوارع الخرطوم وتم إحراق الإطارات، كما تم نشر قوات الدعم السريع في شوارع العاصمة الخرطوم، مما أدى إلى إعلان الموقف الدوليمن هذه المستجدات.

 

 

قلق أممي

أعرب التصريحات الواردة على لسان كبار المسؤولين من الأمم المتحدة، بأن الأوضاع في السودان مقلقة وقد تتطور لما هو أسوأ بكثير، ووجهت مطالبات لإعادة العملية الانتقالية إلى مسارها الصحيح، كما دعا الاتحاد الأوروبي إلى الإفراج عن قادة السودان المدنيين وشدد على وجوب “تجنب العنف وسفك الدماء”، خاصة وأن المظاهرات التي اشتعلت في السودان أسفرت بالفعل عن مقتل العديد.

 من جهته دعا الإتحاد الأفريقي إلى الاستئناف الفوري للمشاورات بين المدنيين والعسكريين في إطار الإعلان السياسي والإعلان الدستوري.

 

اتهامات ودفاع عن النفس

وجهت اتهامات صارخة ضد الجيش السوداني بأنه يسعى لفرض سيطرته على الحكم والدليل اعتقال رموز البلاد من الساسة وكبار المسؤوليين، مما جعل عبد الفتاح البرهان يجد ضرورة للخروج والكشف عن سبب إتمامه خطوة الإنقلاب ضد رموز الحكم.

ففي ظل العديد من الخلافات التي اندلعت بين الجيش والمدنيين، خرج البرهان بتصريحات هامة، فقد أكد أولا أن السبب وراء وضع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك رهن الإقامة الجبرية هو حمايته، مشيرا إلى أنه ينعم بسلام كامل، مع تلبية جميع متطلباته.

وأفاد البرهان أنه لم يجد حلا لإنقاذ البلاد من الوقوع في خطر الإنهيار سوى الإنقلاب على رموز السلطة، مشيرا إلى أن الخلافات زادت بصورة غير عادية، وأصبح كل فرد من المسؤولين يفكر في مصلحته الشخصية دون النظر لما تعانيه البلاد من أزمات على المستويين السياسي والاقتصادي، ودون اعتبار متطلبات الشعب، فكان الإنقلاب هو أفضل خطوة لتحقيق الاستقرار.

 

انتخابات 2023

وحاول عبدالفتاح البرهان أن يقف أمام الإتهامات بأن الجيش يريد فرض سيطرته على البلاد، حيث أكد بأن الجيش لا يطمح للوصول للسلطة بأي شكل من الأشكال، منوها أنه سيتم انعقاد انتخابات نزيهة في يوليو 2023، من خلالها سيتم تشكيل مجلس سيادي وبموجبها سيتم اختيار رئيسا للوزراء، منوها أن الجيش لن يتدخل في هذه الانتخابات نهائيا.

وتطرح الأحداث تساؤلات واحدا تلو الأخر، منها ما يتعلق بالشأن الداخلي وخطر الإخوان من العودة مجددا للساحة السياسية في السودان، وأخرى عن.. من أي مصدر سيتم توجيه أي رد فعل دولي؟

 

رسالة تطمين

عقب الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة القاهرة ورئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بمركز الدراسات الآسيوية، على الموعد الذي حدده رئيس القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان لإنعقاد الانتخابات في يوليو 2023، وأكد أنه لا أحد يستطيع أن ينكر بأن الخطوة التي قام بها البرهان كانت ضرورية، نظرا للأزمات المتتالية والمتكررة التي شهدها السودان ، وحالة عدم الاستقرار الأخيرة، لكن في نفس الوقت من الصعب الآن وفي ظل الظروف الراهنة تحديد موعد بعينه لإنعقاد الانتخابات المقبلة، معتبرا أن الموعد الذي حدده وهو يوليو 2023 ليس أكثر من رسالة يوجهها لتطمين الشعب.

وأفاد فهمي في تحليل تفصيلي للمركز الأوروبي الشمال الإفريقي، أن المرحلة الراهنة التي يشهدها السودان لا تحتاج لتحديد موعدا لعقد انتخابات، وإنما تحتاج لوضع خارطة طريق، لأنها مرحلة انتقالية، لا تزال في بدايتها، كما أنها أيضا غير واضحة المعالم، لذلك قد يكون البرهان حدد بالفعل موعدا لإجراء الانتخابات المقبلة، لكن قد تطرأ أي تغيرات أو مستجدات تتسبب في تغير موعد هذه الانتخابات، بسبب هذه المرحلة الانتقالية المضطربة.

 

الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ورئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بمركز الدراسات الآسيوية

خطر الإخوان

ولأنه من المعروف أن الإخوان كانوا هم اليد العليا في السودان خلال حكم عمر البشير كان يستوجب التوقف عندهم لمعرفة أبعاد خطرهم، وفيما يتعلق بهذا المحور، أشار الدكتور طارق فهمي أن الإخوان في النهاية عبارة عن حركة انتهازية، ولا شك من أنهم سيحاولون فرض سيطرتهم على المشهد السياسي في السودان خاصة وأن هناك رموز إخوانية عديد لا تزال مترسخة داخل العديد من مؤسسات الدولة، إذا من السهل عليهم عمل المؤامرات للتسلل والعودة مجددا على الساحة.

ويرى فهمي أن الإخوان سيجتهدون الآن لكي يتمكنوا وفي فترة وجيزة لنقل السودان من مرحلة انتقالية لمرحلة عادية يكونوا هم فيها أصحاب السيادة، مما يعد دليل قوي على أن مهمة عبد الفتاح البرهان ليست سهلة، وعليه بذل جهودا لإعادة الاستقرار في البلاد أولا قبل إتمام أي انتخابات.

 

عنصرين أساسيين

وأشار فهمي إلى أن السودان الآن به عنصريين أساسيين هما “العسكري والمدني” وبين كلا منهما خلافات عديدة وعدم توافق في الرؤى حول مختلف القضايا، مؤكدا أن تحقيق الاتفاق بين المدنيين والعسكريين مهمة رئيسية وهامة حتى لا يجد الإخوان أي فرصة للعودة مجددا على الساحة السياسية السودانية، فأي خلاف لن يفوته الإخوان قبل الاستفادة به لمصلحتهم بغض النظر عن مصلحة البلاد.

 

قراءة للمشهد السوداني

وفيما يتعلق بالتصريحات التي أدلى بها رموز الاتحاد الأوروبي، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور طارق فهمي أن الاتحاد الأوروبي ليس له أي تأثير على السودان، لكن حالة القلق التي تم الإعلان عنها مؤخرا من قبل ممثليه، هي بسبب تخوفاتهم من أن تتأثر مصالح بلادهم، منوها أن أي تصريحات من قبل الاتحاد الأوروبي، هي عبارة عن قراءة للمشهد السياسي داخل السودان، ومراقبة للأوضاع والمستجدات.

 

وأعرب فهمي عن إعجابه بسؤال وجه له حول ما إذا كان هناك أي أحتمالات بتدخلات أمريكية، وأفاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية في تقدير هي الدولة التي يستوجب عل عبد الفتاح البرهان التفكير في عقبات تدخلها في الشأن الداخلي، فأمريكا تمكنت من قبل من فرض عقوبات مشددة على السودان خلال فترة حكم عمر البشير، وهي أيضا التي قررت رفع هذه العقوبات، مما كان له تبعات اقتصادية إيجابية في السودان.

 

الموقف الإسرائيلي

وفي حديثي مع رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية دكتور طارق فهمي، تطرقت لإسرائيل وسر صمتها عن ما يحدث من مجريات، والسودان هو البلد الذي تمكنت من التطبيع معها، وهنا شدد فهمي على أن إسرائيل حتى الآن تشاهد المجريات عن كثب، وكل ما يهمها أن لا تتأثر خطوة التطبيع التي أنجزتها في عهد بنيامين نتنياهو، فإسرائيل أتمت خطوة على التطبيع لتحقيق مصالح بعينها، وكل ما يهمها أن لا يؤثر هذا الإنقلاب على التطبيع أو مصالحها في القارة السمراء.

 

 

ثلاث محاور رئيسية

وأختتم الدكتور طارق فهمي بأن هناك ثلاث محاور رئيسية يستوجب على عبد الفتاح البرهان الإلتفات لهما الآن إذاكان حقا يريد تحقيق الاستقرار الذي يطمح له، وهم:

أولا : كسب ثقة الشعب السوداني لأنه بدون الثقة الشعبية لن يتمكن من القيام بأي شيء خلال المرحلة المقبلة، والأزمة أن الشعب يرفض خطوته ضد رموز الحكومة، فعليه إذا التفكير في سبل كسب ثقة الشعب.

ثانيا:  إيجاد سبل تساعد على الإتفاق في الرؤى حول مختلف القضايا بين المدنيين والجيش، لمنع الإخوان من انتهاز أي فرصة تساعدهم على التسلل والعودة للحكم مجددا.

ثالثا : التفكير في ردة فعل الولايات المتحدة الأمريكية وتحسب أي خطوة قد تقوم بها تؤثر على السودان سياسيا أو اقتصاديا.

 

وعند الإلتفات  لهذه النقاط سيتمكن البرهان من تحقيق الاستقرار في البلاد وفي فترة وجيزة.