“تايوان”.. هدف صيني وسلاح أمريكي لإشعال فتيل حرب أهلية
كتبت: عواطف الوصيف
” سندافع عن تايوان ضد كل من سيحاول الإعتداء عليها”.. هكذا أختتم الرئيس الأمريكي جو بايدن القمة الثنائية التي عقدها مع نظيره الصيني شي جين بينج التي عقدت في 18 نوفمبر الجاري، فسارع “بينج” بالتأكيد على أن الصين لن تسمح لأي جهة المساس بتايوان، ملوحا بطريقة غير مباشرة أن تايوان جزء من الصين ولن تتخلى الحكومة الصينية عنه، لتتوالى المفاجأت بعد ذلك.
الصين وتايوان
من المعروف أن الخلافات بين الصين وتايوان تعود لعقود طويلة، وأساس الأزمة المشتعل فتيلها بين البلدين هو أن الحكومة الصينية تعتبر تايوان جزء منها، وتعطي لنفسها الحق في اقتحام مجال تايوان الجوي، وهو ما يغضب تايوان بشدة كونها ترفض المساس بها كبلد مستقل.
وحينما حاول الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يلمح للرئيس الصيني بأنه لن يسمح له وللصين التوغل وزيادة قوته في قارة أسيا، وعزف حينها على الوتر الحساس بالنسبة له وهو “تايوان”، وعلى الرغم من رد الرئيس الصيني السريع وتأكيده بأن بكين لن تسمح بالمساس بتايوان بأي شكل من الأشكال، لكن يبدو أنه لم يكتف بالرد الشفوي.
اقتحام صيني
أعلنت وزارة الدفاع التايوانية أن طائرات السلاح الجوي التايواني سارعت لتحذير وإبعاد 27 مقاتلة صينية دخلت منطقة دفاعها الجوي، ويأتي ذلك بالتزامن مع الإجتماع الذي عقده الرئيس الصيني شي جين بينج مع كبار جنرالاته.
وأعربت تايوان عن اعتراضها الشديد لكافة الخطوات التي اتخذتها الصين واعتبرت أن الحكومة الصينية تتعمد ممارسة انتهاكات بمنطقة الدفاع الجوي، التي تقع قرب جزيرة براتاس التي تسيطر عليها تايوان.
وبحسب وزارة الدفاع التايوانية، فإن إن أحدث توغل جوي صيني، كان بمشاركة 18 طائرة مقاتلة، علاوة على 5 قاذفات “إتش-6” القادرة على حمل سلاح نووي إلى جانب طائرة تزود بالوقود في الجو.
وفتحت الصين هنا بابا كبيرا من التساؤلات، فقد أتت طلعاتها الجوية على المجال الجوي للتايوان بعد مرور 10 أيام فقط من القمة التي عقدت بين كلا من الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينج، والتي اختتمت بمناوشات متبادلة بينهما حول تايوان… فترى هل الطلعات الجوية الصينية هذه المرة رسالة ضمنية من الرئيس الصيني لواشنطن يريد أن يؤكد بها أن تايوان تحت سيطرته وقادر على دخول مجالها الجوي في أي وقت كيفما يشاء…. وهل شكوى تايوان من تصرفات الصين هذه المرة نداء منها لأمريكا لتطالبها بأن تفي بوعدها وتدافع عنها خاصة وأن “بايدن” هو من بادر بالقول وأكد أن بلاده ستدافع عن كل من سيحاول الإعتداء على تايوان.. وما هو رد الفعل الأمريكي.. فهل من الممكن أن يفي الرئيس الأمريكي بوعده ويدخل في مواجهة ضد الصين الآن في ظل انتشار قواته العسكرية على حدود أوكرانيا وفي ظل محاولاته لحل الأزمات الاقتصادية التي خلفها فيروس كورونا، الذي يلاحقه المتحور الجديد أوميكرون؟
مبرر صيني منطقي
قالت الدكتورة نادية حلمي، خبيرة الشئون السياسية الصينية والمحاضر والباحث في الشئون الصينية وشئون الشرق الأوسط بجامعة لوند بالسويد إن الصين لديها دفاع منطقى بشأن طلعاتها الجوية فى تايوان، بأنها منطقة تقع ضمن حدود الصين فى مجال الدفاع الجوى بالجزيرة، ومعنى ذلك، أن المساحة التى نفذها الهجوم الجوى الصينى لا تتطابق مع المجال الجوى الإقليمى لتايوان فقط، لأنه ببساطة يشكل مساحة أكبر، ويقع فى منطقة تحديد الدفاع الجوى الصينية والبر الرئيسى للصين.
وأفادت الدكتورة نادية في شرحا وافيا للمركز الأوروبي الشمال الإفريقي للدراسات والبحوث أن رؤية وزارتى الدفاع التايوانية والأمريكية تأتي بعكس الرؤية الصينية، ففى إعتقادهما، يعد الهجوم الجوى الصينى جزءاً من تكتيك المنطقة الرمادية لتايوان”.
وأوضحت أن “المنطقة الرمادية لتايوان”، هو مصطلح: يستخدمه المحللون العسكريون لوصف الأعمال العدوانية التى تقوم بها الصين، دون أن يصل الأمر إلى حرب مفتوحة، ويمكن وصفها أيضاً، بأنها: “المعبر بين السلام والحرب”.
ووفقاً لذلك، بات الدفاع الصينى، بأن كافة الطلعات الجوية الصينية لتايوان تقع بالأساس فى منطقة تعريف الدفاع الجوى بها، بما يسمح للصين قانونياً ودولياً القيام بها، بما فى ذلك كافة تلك التوغلات الليلية، والتى تسمح للصين بتحسين تدريب الطيارين وإختبار دفاعات تايوان فى مواجهة أى هجوم محتمل عليها.
رسالة محددة
وترى حلمي أن الهجوم الجوى الصينى على تايوان يستهدف أو يوجه رسالة صينية إلى ثلاثة أطراف، وهى :
حكومة تايوان وشعبها ورئيستها تساى إنج ون، والرأى العام الصينى وتشبثه بفكرة القومية والتعصب لتايوان كجزء من أراضى الصين، أما الطرف الثالث هو والولايات المتحدة الأمريكية وكافة القوى الغربية المؤيدة والداعمة لها.
وبحسب نادية تلك الرسالة الصينية هدفها هو التأكيد على عدم السماح الصينى للتحالفات الأمنية الإقليمية التى يجرى بناؤها بين الولايات المتحدة الامريكية وعدد من حلفاؤها فى المنطقة، بالإضافة لتايوان، تلك التحالفات التي هدفها في المقام الأول بلا شك ترهيب الصين.
الحزب الشيوعي الصيني
وتطرقت الباحثة السياسية لقيادات الحزب الشيوعي الصيني، ونوهت أن هدفهم هو زيادة النزعة القومية لدى أبناء الشعب الصينى الذى يميل بكافة قومياته إلى زيادة الضغط السياسى على تايوان والتمسك بالتوحيد السياسى لتايوان ضمن حدود الصين، وهو ما تبرزه وسائل الإعلام الصينية فى الفترة الأخيرة بإستمرار، حيث التأكيد على:
إن القيادة السياسية الصينية ورفاق الحزب الشيوعى الصينى يؤكدون للجمهور الوطنى الصينى، بعدم رضاؤهم التام عن التطورات الأخيرة التى تحدث فى تايوان بإنتهاك حدودها الإقليمية والدولية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالى تهديد أمن البر الرئيسى للصين بشكل كامل، والتأكيد بأن كافة الأنشطة الدفاعية والجوية الصينية حول تايوان، تهدف بالأساس لحماية السيادة الصينية.
الموقف الأمريكي
وفيما يتعلق بالرد الأمريكي المتوقع، أشارت الدكتورة نادية حلمي أن الولايات المتحدة الأمريكية إنتهجت سياسة تعرف ب “الغموض الإستراتيجى فيما يتعلق بتايوان”، وتلك السياسة تعني أن أمريكا هدفها تقوية الجانب التايواني وتسليحه أيضاً، من خلال بيع الأسلحة الأمريكية إلى تايوان، بدون تقديم أى إلتزام حقيقى بتقديم المساعدة للجانب التايوانى.
وكشفت حلمي أبعاد التكتيك الإستراتيجى البعيد للولايات المتحدة الأمريكية، لتوضح أنه عبارة ممارسة اللعب الأيديولوجى بين أبناء الشعب الصينى والتايوانى من عرقية “الهان” والتى تشكل أغلب السكان والقوميات العرقية الصينية البالغة ٥٦ قومية وعرقية فى الدولة الصينية، أي أن التركيز الأمريكى سيكون على إشعال فتيل حرب داخلية بين تايوان والصين لن تتدخل فيها واشنطن تماما، إذا ستكون الولايات المتحدة الأمريكية مسئولة عن إشعال حرب بين فصيلين من عرق الهان، فى قتال أيديولوجى من قومية من نفس الفصيل أو العرق لأغلب السكان وهى “الهان”، بأسلحة تكنولوجية متطورة من قبل الهان الصينيين فى مواجهة تايوان أو من قبل الهان التايوانيين بدعم أمريكى…. وذلك، دون مشاركة فعلية حقيقية فى القتال.
لذلك تتعمد أمريكا تجهيز وتحديث الجيش والمؤسسة العسكرية والجوية التايوانية فى مواجهة الصين، بدون إلتزام حقيقى من الولايات المتحدة الأمريكية بالحرب نيابة عن تايوان.
سيناريو أمريكي ماكر
واختتمت الباحثة السياسية الدكتورة نادية حلمي بأن السيناريو الأمريكى الدقيق، الذي تسعى له هو تحويل الأمر برمته إلى:
“حرب أيديولوجية داخلية أى داخل حدود الصين بعرقية الهان القومية التى تشكل الأغلبية العرقية فى الصين”.