الخلافات الحزبية في تونس.. عصا موسى الإخوان لفرض سيطرتهم السياسية من جديد
كتبت: عواطف الوصيف
لا يزال حلم العودة للمشهد السياسي يراود جماعة الإخوان في تونس، لفرض سيطرتهم على الحكم من جديد، وتأتي الخلافات السياسية لتفسح مجالا واسعا أمام المؤامرات الإخوانية في تونس.
ألاعيب إخوانية
بدأت حركة النهضة في تنفيذ ألاعيبها للإيقاع بتونس من خلال تنفيذ سلسلة مناورات أمام مقر البرلمان في مدينة باردو، حيث حشد الحزب أنصاره للإعلان عن رفضهم للتدابير الاستثنائية وعودة البرلمان المجمد للانعقاد.
وفي احتجاجات أنصار النهضة تم رفع شعارات معادية للرئيس التونسي قيس سعيد، وكان هناك محاولات لإقتحام مقر البرلمان، وهو ما يقومون به بعد مرور 3 أشهر من إعلان الرئيس تجميد أعمال البرلمان وحل الحكومة المقربة من الإخوان وفتح ملفات قضائية ضد كل من تورط في الفساد المالي والسياسي طيلة السنوات العشر الماضية من حكم الإخوان في تونس.
مخططات الغنوشي
وتأتي مظاهرات الرافضين للتدابير الاستثنائية في تونس بعد مرور أيام فقط من التصريحات التي أدلى بها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، حيث لمح بأنه مستعد لتقديم استقالته من رئاسة البرلمان، على أن يكون ذلك في مقابل فرصة جديدة للحوار في تونس.
وأجرى الغنوشي أيضا سلسلة مقابلات مع ممثلي بعض التحركات والعديد من الشباب الذين ينتمون لحركة النهضة وأعرب لهم عن إعجابه بالجهود التي يبذلونها من أجل الحصول على الديمقراطية والحرية، وحثهم على الإستمرار في الجهود التي يبذلونها لإستعاد الوضع الديمقراطي في تونس” وفق تعبيره.
انتقادات عبير موسى
وفي الوقت الذي يحاول فيه إخوان تونس استغلال أي فرصة للإنقضاض مرة أخرى على الحكم تأتي رئيس الحزب الدستوري الحر عبير موسى، وتتنقد هي الأخرى القرارات الجديدة للرئيس التونسي قيس سعيد، وتؤكد أنها وحزبها يرفضون الديكتاتورية التي يمارسها.
وعلى الرغم من موسى أعربت أكثر من مرة في مواقف سابقة لها عن إعتراضها الشديد للإخوان وسياستهم، لكنها هذه المرة وبدون أن تقصد اتفقت معهم، فمثلما اتهموا الرئيس التونسي بالديكتاتورية، تأتي هي لتؤكد أن الرئيس قيس سعيد يتبع ما وصفته بـ “الحكم الفردي المطلق” محددة عدة مجالات وهي الأحوال الشخصية، والأمن القومي التونسي، والحقوق والحريات وحق التعبير وحرية الصحافة والنشر، قالت إنها تمثل “خطوطا حمراء” .
قرارات رئاسية
وبالتزامن مع الهجوم الذي يتعرض له الرئيس التونسي من جماعة الإخوان ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير تونسي، يعلن قيس سعيد قرارات جديدة، ويؤكد أنها تصب في الصالح العام لتونس وشعبها، وأهم هذه القرارات هي تجميد البرلمان لحين انعقاد الانتخابات البرلمانية التي قرر أنها ستكون في 17 ديسمبر 2022.
وفي الخطاب الذي وجهه الرئيس التونسي أمام ممثلي السلطة القضائية طالب بالقيام بوظيفتها في إطار الحياد التامّ في محاكمة ممن قال إنهم أجرموا في حقّ الشعب التونسي، على حد تعبيره.
وتطرح عدة تساؤلات تحتاج لإجابات وتفسير، ترى هل من الممكن أن يستغل إخوان تونس الخلافات الحالية بين الرئاسة التونسية والمعارضة التي تأتي على رأسها الحزب الدستوري الحر، لكي يتمكنوا من العودة مجددا للمشهد السياسي التونسي؟… وما الذي يحاول الرئيس قيس سعيد أن يفعله من خلال القرارات؟… وهل تصب خطوة تجميد البرلمان في مصلحة تونس وشعبها.
أحزاب الجماعات الدينية
قال منير أديب الخبير المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية والإرهاب الدولي إن الأحزاب التي تتبع جماعات دينية دائما تستخدم التباينات التي تحدث في مختلف المواقف السياسية، علاوة على محاولات استغلال أي خلافات تطرأ بين الأحزاب الكبيرة خاصة إذا كانت هذه الخلافات تتعلق بالأحزاب الحاكمة أو السلطة.
وأوضح أديب في شرح واف للمركز الأوروبي الشمال الإفريقي، أن أحزاب الجماعات المتطرفة دائما ما تستغل أي خلافات تطرأ بين الأحزاب لكي تتمكن من العودة مجددا للمشهد السياسي، منوها أن هذه الأساليب الإخوانية اتبعت في مصر والسودان أيضا، حيث أن السودان يوجد به حاليا خلافا بين بعض القوى الثورية والمكون العسكري، وحاول الإخوان هناك أن يستغلوا ذلك وقاموا بالعديد من عمليات العنف مثل غلق الطرقات والكباري، مشيرا إلى أن الإخوان في السودان قاموا بهذه الممارسات لأنهم لا يقدرون على مواجهة ممثلي المكون العسكري، وبالتالي قرروا أن يقوموا بعمليات عنف وأهموا الشعب أن متحدون مع الثوار ضد العسكر لتقوية جبهتهم ولكي يعيدوا إنتاج أنفسهم من جديد.
الأوضاع في تونس
وبحسب منير أديب فإن تونس أيضا تعاني من العديد من التباينات والخلافات في مختلف القضايا بين بعض الأحزاب المدنية والسلطة، مؤكدا أنه على الرغم من هذه الخلافات أو التباينات تعد دليل على أن هناك خطوات تتبع ومناقشات تجرى من أجل إتمام عمليات إصلاح سياسي تونسي، إلا أن الإخوان وممثلي حزب النهضة يعملون على استغلال هذه التباينات لصالحهم ولأنهم يعوا جيدا إنهم يعيشون في عزلة، فليس أمامهم سوى استخدام هذه التباينات لصالحهم حتى يتمكنوا من العودة للمشهد السياسي مجددا.
وأشار الباحث السياسي منير أديب إلى أن رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى خرجت من قبل وطالبت الرئيس التونسي قيس سعيد بتفكيك ما يعرف “اتحاد علماء المسلمين”، واعتبرت أن هذا الاتحاد يخضع ليوسف القرضاوي الذي وصفته بـ ” مفتي الدم والقتل والتفجير”، كما أن موسى ترى أن هذا الاتحاد هو المظلة التي يحتمي بها الإخوان وحزب النهضة في تونس، موضحا أن الرئاسة التونسية من جانبها ترى ضرورة التروي مع “اتحاد علماء المسلمين”، أو غيره من الكيانات التي يشوبها شكوك داخل تونس، مما يوضح أن هذا هو شكل من أشكال التباين والإختلاف في الرؤى بين الأحزاب المدنية والرئاسة التونسية، فبعض الأحزاب ترى ضرورة سرعة التعامل مع مثل هذه الكيانات حتى لا ينتج عن استمرارها أضرار على سير الأوضاع السياسية التونسية، في حين ترى الرئاسة وجوب التروي وعدم التسرع، كلاهما يفكران في مصلحة البلاد، ولكن لكل طرف منهم سياسته التي تختلف عن الأخر.
إعادة تشكيل الإخوان
وأضاف أديب أنه على الرغم من تباين الرؤى بين الأحزاب المدنية والرئاسة على الإخوان، إلا أن الأحزاب التابعة للإخوان تعمل على استغلال هذا التباين والإختلاف لصالحهم لكي يتمكنوا من إعادة تشكيلهم وعودتهم للمشهد السياسي.
وعند سؤاله عن قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد حيث تجميد البرلمان لحين انعقاد الإنتخابات، وما إذا كانت هذه الخطوة ستصب في مصلحة تونس أم لا، أكد أستاذ الإرهاب الدولي، أنه لابد أولا من الإلتفات إلى أن قيس سعيد قبل أن يصبح رئيسا لتونس فهو فقيه دستوري منوها أن القرارات التي اتخذها مؤخرا بشأن تجميد البرلمان لحين عقد الانتخابات ليس غرضه منها تحسين صورته، فهو بالفعل يمتلك شعبية كبيرة في الداخل التونسي خاصة بعد أن قرارته حيال حزب النهضة وقرارته لحل الحكومة.
قرار تجميد البرلمان التونسي
ويرى أديب أن قرار الرئيس التونسي بتجميد البرلمان يتماشى تماما مع بنود الدستور التونسي، وبالتأكيد لم يتم الإعلان عن هذا القرار إلا بعد أن حاز على موافقة العديد من المؤسسات داخل البلاد، موضحا أن أهم ما يشغل قيس سعيد الآن هو إعادة بناء المؤسسات التونسية بم يتوافق مع مباديء ثورة 2011 التي استغلها الإخوان مثلما حدث في مصر.
وفيما يتعلق ما إذا كان قرار تجميد البرلمان يصب في مصلحة تونس، أفاد منير أديب أن كل ما يمكن فعله الآن هو مجرد قراءة للمشهد السياسي والأوضاع الجارية في تونس حاليا، لكن بالتدريج الأمور ستتضح وقد تطرأ أي تغيرات غير متوقعة.
قرار صائب
وبحسب الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية والإرهاب الدولي منير أديب، فإنه على الرغم من أنه لا يمكن إصدار أحكام نهائية الآن حيث أننا لا نزال في مرحلة قراءة للمشهد والوضع الراهن، إلا أنه يمكن القول بأن قرار تجميد البرلمان هو قرار صائب، خاصة حينما يكون هذا البرلمان الذي تم حله هو برلمان يسيطر عليه الإخوان، ورئيس البرلمان لا يعطي للأحزاب المدنية فرصة للإدلاء برأيها وحينما يكون برلمان يظهر أعضائه وممثليه أمام العالم وهم يضربون بعض بالأحذية، فهذا كله يؤكد أن هذا البرلمان لا أمل فيه.
واختتم أديب بالتأكيد على أن الرئيس التونسي يريد إعادة إصلاح مؤسسات البلاد، وهذا لن يحدث إلا بعمل برلمان يتم انتخاب أعضائه بناءا على أسس صحيحة، منوها أن الإخوان حاليا لا يتمتعوا بأس شعبية سواء في تونس أو أيا من دول المنطقة، إذا فعند تكوين البرلمان الجديد فلن يتمتعوا بأي مقاعد، وهذا بالتأكيد سيصب في صالح البرلمان القادم ومؤسسات الدولة ككل مما يؤكد بأن الرئيس التونسي بقرار تجميد البرلمان أراد أن يشكل برلمان على أسس صحيحة.