العمليات السيبرانية.. سلاح روسيا في أوكرانيا والمفاوضات الدولية لتيسير نشر السلاح على الحدود الأوروبية
كتبت: عواطف الوصيف
باتت أوكرانيا واحدا من الملفات المحورية على الساحة العالمية ليس لروسيا فقط وإنما للولايات المتحدة الأمريكية ولحلف الناتو أيضا، فقد كشفت موسكو عن نواياها لغزو أوكرانيا التي تعتبرها جزء من أراضيها، وتبذل جهودا لمنع واشنطن من توسيع قدراتها العسكرية في هذه المنطقة، ووسط هذه التطورات يخرج حلف الناتو بتصريحات غير عادية، وتأتي تحذيرات أوروبية بشأن الغاز الطبيعي لتطرح العديد من التساؤلات وعلامات الإستفهام.
مفاوضات أمريكية روسيا
قررت كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا عقد مباحثات ثنائية في جنيف لبحث أخر المستجدات في أوكرانيا، وترأس الوفد الروسي كل من نائب وزير الخارجية، سيرجي ريابكوف، ونائب وزير الدفاع، ألكسندر فومين، فيما كانت نائبة وزير الخارجية الأمريكي، ويندي شيرمان، هي قائد وفد الولايات المتحدة.
واستعرض الوفد الروسي خلال المفاوضات مطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخصوص أوكرانيا، وهي الحد من التدريبات العسكرية الأمريكية وإطلاق الصواريخ في أوكرانيا، مع هدم القواعد العسكرية التابعة لواشنطن في هذه المنطقة والأهم هو التخلي تماما عن فكرة انضمام أوكرانيا لحلف الناتو.
ومن المعروف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حريص بشدة على تنفيذ هذه الإجراءات، فهي لا تقع في مصلحة روسيا على المدى الطويل فحسب وإنما أيضا مطالب يؤكد الشعب الروسي دائما تمسكه بها، وتمكن بوتين من تنفيذها سيعزز من موقفه مع حلول الإنتخابات الرئاسية الروسية المرتقبة في 2024.
ضمانات أمنية وتحذير أمريكي
أنتهت المفاوضات الثنائية بين أمريكا وروسيا في جنيف بتأكيد واشنطن استعدادها للتباحث حول عدم نشر الصواريخ الأمريكية في أوكرانيا والحد من التدريبات العسكرية للبلدين، لكنها قالت إنها ترفض مناقشة مسألة انضمام أعضاء جدد إلى الناتو.
ولم يمض سوى عشر أيام فقط على المفاوضات الثنائية التي جرت بين الطرفين في جنيف، لتعلن واشنطن تعهدا بالرد الصارم على أي تحرك عسكري روسي في أوكرانيا، وذلك بعدما بدا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أشار إلى أن أي توغل روسي على نطاق صغير سيقابله رد أقل من قبل حلف شمال الأطلسي.
من جانبها وأوضحت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي أنه إذا تجاوزت أي قوات روسية الحدود الأوكرانية، أي غزوها مجددا، فإنه سيقابل برد سريع وصارم وموحد من جانب الولايات المتحدة وحلفائها.
تصريحات مريبة وتخوفات أوروبية
ووسط هذه التطورات التي تزيد التخوفات من إحتمالات حرب مدمرة بين أمريكا وروسيا بسبب أوكرانيا، يأتي الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتتبرج” ليؤكد أن حلف الناتو لا ينوي إرسال أي قوات عسكرية إلى أوكرانيا، حتى وإن فكرت روسيا في غزوها، ذلك التصريح الذي جاء بعد مرور أيام على الأسرار التي كشفها التقرير الذي نشره موقع “ناشيونال” البريطاني.
وفقا لما ورد على موقع “ناشيونال” البريطاني، فقد حذرت بريطانيا من عدم تنوع الموارد التي تعتمد عليها دول أوروبا للحصول على الغاز الطبيعي، مشيرة إلى أنه من المرجح جدا أن يمنع الرئيس فلاديمير بوتين توريد الغاز الطبيعي، خاصة وأنه بحسب وصفها المورد الأهم على مستوى العالم للغاز الطبيعي، وهو ما أشار إليه أيضا الأتحاد الأوروبي وأكد على ضرورة تنوع الموارد الخاصة بالغاز الطبيعي.
دوافع مخاوف روسيا الأمنية
وفي محاولة لفهم تفاصيل القضية من كافة الزوايا استوقفني مقال كتبه ألكسي جروميكو مدير معهد أوروبا التابع للأكاديمية الروسية للعلوم بموقع “أجيال قرن 21″، وفيه يلق الضوء على النقاط الأساسية التي تثير مخاوف روسيا العميقة، ويؤكد أن موسكو ترى أن الاتحاد السوفياتي قد خُدع في قضية توسيع الناتو، وفي الوقت نفسه ، إذ كان المسلم به هو خطأ القيادة السوفيتية وعدم الحصول على ضمانات ملزمة قانونًا في ذلك الوقت وخطأ القيادة الروسية في التسعينيات كان بعدم منع توسع الناتو في حد ذاته، مشيرا إلى إن سبب التوتر الحالي هو أمثلة عديدة لزعماء غربيين يقدمون وعودًا ، غير واضحة بشأن عدم توسع الناتو أكثر.
ويضيف جروميكو أن هناك نقطة أساسية أخرى ، من وجهة نظر روسيا ، وهي أنه إلى جانب الحق في اختيار التحالفات ، هناك دور حاسم لمفهوم الأمن غير القابل للتجزئة ، ولا سيما عناصر الأمن المتكافئ والالتزام بعدم قيام أي دولة بتعزيز أمنها في امتداد الآخر، وهذه المبادئ منصوص عليها في وثيقة هلسنكي النهائية التي أبرمت عام 1975 ، وميثاق باريس الذي تم في 1990 ، ووثيقة تأسيس الناتو وروسيا، التي كانت في 1997 وميثاق الأمن الأوروبي لعام 1999.
واستكمالا للرؤية التي يقدمها جروميكو فإنه من من الواضح أن موسكو لن تدع كييف تستولي على دونباس بالقوة لتدمير كامل صرح العملية السياسية على أساس اتفاقيات مينسك -2 ، والتي أصبحت في عام 2015 جزءًا من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، منوها أن عمليات نشر القوات الروسية الإضافية تهدف إلى ردع كييف عن مهاجمة دونباس.
حرب مستبعدة
ترى الدكتورة أورنيلا سكر الكاتبة الصحفية وباحثة العلاقات الدولية و الدراسات الاستشراقية ومديرة موقع أجيال قرن الـ 21، أنه من المستبعد جدا اندلاع حرب أو غزو ضد أوكرانيا، مشيرة إلى أن ما يجري حاليا في أوكرانيا هو عبارة عن إعلاء سقف المفاوضات من أجل تحسين موقف روسيا، التي أكدت أنها الكاسب الأكبر فيما يحدث الآن على الساحة.
وأفادت سكر في رؤية تحليلية للمركز الأوروبي الشمال الإفريقي للدراسات، أن أوكرانيا أمام إحتمالان إما إندلاع حرب وهو ما يعد أمر مستبعد بنسبة كبيرة، أو رفع التهديد عن القيام بغزو، موضحة أن حدة الصراع بين الدول العظمى على القمح أو ما يعرف بالصراع الغذائي، ستكون ضحيته أوكرانيا، ذلك الصراع الذي قد يتسبب في اندلاع حرب قوية ضدها، وشعب أوكرانيا هو الذي سيدفع الثمن، لأنه لابد من الإلتفات بأن روسيا هي المصدر الرئيسي للقمح ليس فقط للدول العربية، بل للعديد من الدول الكبرى على مستوى العالم.
تصريحات حلف الناتو
وعند سؤالها حيال التصريحات الأخيرة التي وردت عن رئيس حلف الناتو بأنه لن يرسل أي قوات إلى أوكرانيا حتى في حال تعرضت للغزو من روسيا، أشارت دكتورة أورنيلا، أنه لابد أولا من التذكير بأن روسيا هي الرابح الأول في كل ما يحدث، والتصريحات التي وردت عن حلف الناتو الهدف منها هو طمأنة موسكو، ولجعلها تتروى قليلا عن فكر غزو أوكرانيا، منوهة أن روسيا تعتبر أوكرانيا حق مكفول لها وجزء أصيل من أراضيها.
وأختتمت دكتورة أورنيلا سكر، بأن كل ما يحدث لا يعد سوى إعلاء لسقف المفاوضات بين جميع الأطراف حول قضية نشر الأسلحة على الحدود الأوروبية، مع البحث عن مصدر جديد لتزويد الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ملقية بالضوء على قطر التي منعت روسيا من التحكم في خطوط الغاز الطبيعي، موضحة أن هناك أطراف أخرى في هذه القضية ومن أهمها على سبيل المثال الصين، التي تعد هي أيضا مورد هام للتزويد بالنفط، لذلك مستبعدا جدا أن تشجع أوروبا على إندلاع حرب وتفتح أمامها جبهات عديدة سيكون من الصعب مواجهاتها.
مشروطية أمريكية أوروبية
من جانبه أفاد بهاء محمود الباحث المتخصص في الشأن الأوروبي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن جميع الكتابات والبحوث والدراسات تتفق على ان هناك مشروطية أمريكية أوروبية لفرض عقوبات على روسيا في حال غزت أوكرانيا، منوها أن النقاش يدور حول عقوبات رئيسية، العقوبة الأولى هي قطع الإمدادات التي تستخدم في صناعة الطائرات وبعض الأسلحة الدفاعية، العقوبة الثانية هي قطع نظام السويفت العالمي للتحويل المالي، وذلك لإضعاف موقف روسيا في نظام التجارة، والأهم عزلها ماليا عن العالم.
وأشار محمود في تحليل واف للمركز الأوروبي الشمال إفريقي للدراسات، إلى أنه في حال تم تطبيق العقوبة الثانية بالفعل وإنعزلت روسيا ماليا عن العالم ستتضرر أيضا دول أوروبا، لأن هناك تعاملات مالية بين روسيا وبنوك دول أوروبا بالفعل، وفي حال أنعزلت روسيا ماليا سيكون السؤال: “كيف ستتمكن دول أوروبا من دفع المال لروسيا من أجل الحصول على الغاز الطبيعي؟”.
حماية دول البلطيق
وأوضح محمود أن أمريكا والدول العربية أيضا قد أعلنوا دعمهم لدول البلطيق لحماية حدودوها تحسبا لأي غزو روسي ، كما أن هناك إتفاق على أنه يتوجب على ألمانيا تزويد أوكرانيا بجميع أشكال الأنظمة الدفاعية، والأهم من ذلك هو أن بريطانيا بالفعل تقوم حاليا بتزويد أوكرانيا بجميع أشكال إحتياجتها من الأنظمة الدفاعية وتقوم معها بتدريبات مسلحة مشتركة، ومن المعروف أن بريطانيا هي أكثر دولة أوروبية الآن تعمل على تصعيد الأحداث ضد روسيا.
ويرى محمود أن خطوة الحرب الروسية ضد أوكرانيا أمر مستبعد فهي ولكي تقوم بهذه الخطوة لابد وأن تنشر على الحدود بحد أدني 100 كتيبة وهي حتى الآن لم تصل إلى هذا المعدل من الكتائب، منوها إنها وبدلا من الحرب من الممكن أن توجه صواريخها على أوكرانيا، أو تقوم بعمليات سيبرانية لضرب النظام الإليكتروني ونظام البنوك داخل أوكرانيا، فتكون النتيجة اندلاع ثورة ضد الرئيس الأوكراني الحالي ويتم استبداله برئيس جديد يكون من أحد الأشخاص الموالين لموسكو، فتحقق هدفها إذا بدون أي حرب من أي نوع.
المراجع..
- ما هو الدافع وراء المخاوف الأمنية لروسيا؟ \\ كتابة: ألكسي جروميكو
https://www.futureconcepts-lb.com/?p=2797
- هل سيكون الحوار الاستراتيجي الأمريكي _الروسي خطوة للتراجع عن الحرب؟\\ ترجمة بتصرف أورنيلا سكر
https://www.futureconcepts-lb.com/?p=2800
Nato chief steps up warning about gas supplies amid Russia–-Ukraine stand off
NATO chief says no plans to send combat troops to Ukraine if Russia invades