بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.. الحرب الكلامية سلاح آبي أحمد للخروج من مأزق سد النهضة
كتب: عواطف الوصيف
رغم إنشغال مختلف دول العالم بالأحداث الأخيرة التي جرت على الساحة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن قضية سد النهضة لا تزال قضية محورية تؤرق دول المصب، والآن يكشف النقاب عن تصريحات جديدة تؤكد سوء موقف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وتخبط ممثلي حكومته، ويبدو أن آبي أحمد أول من سيصب الغزو الروسي لأوكرانيا بغضبه عليه ربما أكثر من أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي.
جهود سابقة
من المعروف أنه منذ 2011، وتجري كلا من مصر والسودان العديد من المفاوضات مع إثيوبيا، من أجل الوصول لإتفاق حول قضية ملء السد وتشغيله، لكن سلسلة المفاوضات التي جرت والتي تدخل فيها أطراف دولية لم تسفر عن نتائج إيجابية، والسبب هو التعنت الإثيوبي، لإتمام مشروع تبعاته ستكون التأثير على حصة كلا من “مصر والسودان” من مياه نهر النيل.
وفي سبتمبر الماضي دعت مصر والسودان لاستئناف المفاوضات حول أزمة سد النهضة الإثيوبي بوساطة الاتحاد الإفريقي، بعد توصية صدرت عن مجلس الأمن الدولي، وقد أكدت مصر أكثر من مرة إنها لن تقف أمام أي دولة تريد أن تتقدم أو تحسن من قدراتها في مختلف المجالات، لكن على أن لا تكون النتيجة هي المساس بحصة الشعب المصري من مياه نهر النيل أو بأيا من حقوقه.
تصريحات مجهولة المصدر
ووسط أزمة سد النهضة بين دول المصب، يعلن مسؤولان في الحكومة الإثيوبية يوم 19 فبراير الماضي وفي تصريحات رسمية لوكالة “فرانس برس” بعد المطالبة بعدم الكشف عن هويتهما، أن يوم 20 فبراير ستبدأ أول عملية توليد الكهرباء من السد.
ذلك التصريح الذي أعلن عنه في ظل غياب لأي إعلان رسمي يتعلق بهذا الصدد من قبل السلطات الإثيوبية
وتراهن إثيوبيا على إنعاش اقتصادها من خلال سد النهضة الذي تبلغ تكلفة بنائه أكثر من 4 مليارات دولار.
توليد الكهرباء الإثيوبية
ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية يوم 20 فبراير الماضي مراسم افتتاح إثيوبيا بشكل رسمي عملية توليد الطاقة الكهربائية من “سد النهضة”، وكان ذلك بحضور عدد من المسؤولين والوزراء على رأسهم رئيس الوزراء أبي أحمد.
وذكرت الوكالة الإثيوبية أنه سيتم الإستفادة من سد النهضة في توليد الطاقة الكهربائية، مشيرة إلى أن أعمال البناء الكلية للسد بلغت أكثر من 80%.
وبدأت عملية إنتاج الطاقة من سد النهضة من خلال تشغيل توربينين تم تركيبها بالسد مؤخرا، حيث أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي رسميا عملية إنتاج الكهرباء من سد النهضة على النيل الأزرق.
تعقيب إثيوبي
وبعد أقل من شهر على افتتاح عملية توليد كهرباء سد النهضة، يخرج وزير المياه والري الإثيوبي هبتامو إتافا، ليؤكد على أن أديس أبابا تسعى من أجل الاستفادة المشتركة من ثرواتها المائية مع دول الجوار، مشددا على أن هذا المشروع لا يهدف للإضرار بمصالح دول المصب، في إشارة إلى مصر والسودان.
وقال إتافا: “لا يمكن أن نعمل على إلحاق ضرر بدول المصب وما نسعى إليه هو الاستفادة المشتركة من الثروات المائية التي تزخر بها إثيوبيا مع دول الجوار، للوصول إلى التنمية التي يتطلع لها الشعب الإثيوبي وشعوب دول الجوار”.
تاريخ الإنتهاء
وبحسب الوزير الإثيوبي، فإنه من المتوقع إكمال بناء السد خلال 3 سنوات من الآن، منوها أن العمل مستمر على جميع الأصعدة.
وفي ظل التطورات الأخيرة الخاصة بقضية سد النهضة تظهر العديد من علامات الاستفهام، ترى ما سر إصرار مسؤولي الحكومة الإثيوبية عدم كشف هويتهما إذا كانت عملية إفتتاح توليد كهرباء السد حقيقية وليست مجرد عرض مسرحي من إخراج آبي أحمد.. وهل بات موقف رئيس الوزراء الإثيوبي على الجبهة الداخلية الإثيوبية حرج للدرجة التي جعلته يحرض مسؤولي حكومته على الخروج بتصريحات لا صحة لها، لعله يتمكن من تحسين موقفه أمام شعبه ويمنع أي محاولة شعبية للإطاحة به، والأهم على من سيعتمد رئيس الوزراء آبي أحمد خلال المرحلة المقبلة بعد إنشغال الدول التي كانت تسانده بتبعات الغزو الروسي لأوكرانيا؟
موقف آبي أحمد السياسي
أفاد الدكتور ناصر مأمون عيسى الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والشأن الإفريقي، أنه لابد أولا من التأكيد على أن الجبهة الداخلية الإثيوبية قد تعرضت لحالة من الإختراق، مما جعل الموقف السياسي لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ونظامه بالكامل على المحك، مشيرا إلى أن آبي أحمد الآن يمكن أن يوصف بأنه “رجل إفريقيا المريض”.
وأضاف عيسى في شرح واف للمركز الأوروبي الشمال إفريقي للدراسات، أن آبي أحمد في حاجة ماسة لأي عوامل تساعد على تعزيز موقفه داخليا وتمنع سقوط نظامه، مؤكدا أن ما تم الترويج عنه من توليد عمليات الكهرباء من قبل سد النهضة هو عبارة كذبة كبيرة لا أساس لها من الصحة.
تجارب سد النهضة
وبحسب الدكتور ناصر فإن سد النهضة حتى الآن لم يشهد أي تجارب من أي نوع، موضحا أن ما عرضته وكالة الأنباء الإثيوبية من عرض لتجارب توربينية هو أمر مشكوك فيه والتي إذا حدثت لم يتعد الناتج عنها 50 ميجاوات، وهي نسبة لا تكفي لإضائة عزبة صغيرة، مما يؤكد أن مشروع سد النهضة تعرض لفشل ذريع.
وأشار عيسى إلى أن رئيس الوزراء الإثيوبي كان لا يفعل شيئا سوى ترويج الأحلام الوردية وأنه يؤسس مشروع سد النهضة الذي سيفيض بالخير والنماء ليس لإثيوبيا فقط وإنما لجميع الدول المجاورة لها مثل :”جيبوتي وأوغاندا وكينيا والصومال وجنوب السودان وشمال السودان”، موضحا أن ما يتم ترويجه الآن ما هو إلا فشل سياسي يحاول آبي أحمد من خلاله نشر الوهم بأنه نجح في مشروعه.
تأخير التنفيذ
وأوضح الباحث السياسي أن مشروع سد النهضة كان من المفترض أن يكتمل تنفيذه ويطرح كهربته في الشارع الإثيوبي في 2014، لكن واقع الحال أنه تأخر حتى في إكتماله لمدة 8 سنوات، وكل ما تم القيام به هو مجرد تجربة مشكوك في أمرها لتوربين واحد فقط، وأكبر دليل على كذب آبي أحمد ورموز حكومته أن المياه حتى الآن تفيض من أعلى الرمار الأوسط وبكثافة، وكان ملاحظ للعالم أجمع أنه يوم إتمام تجربة توليد الكهرباء التي نفذت في 20 فبراير لم يتم فتح أي البوابتين اللاتي يفترض أن يشغلا قوة التوربينات.
وبحسب الدكتور ناصر مأمون عيسى فإن عدم فتح أيا من البوابتين المسؤولان عن تشغيل قوة التوربينات يؤكد أن الإفتتاح الذي تم في 20 فبراير عبارة عن افتتاح سينمائي كمحاولة منه لحفظ ماء وجهه أمام الشعب، خاصة بعد سلسلة الأزمات والفشل الذي تعرض له فيما يتعلق بقضية السد أو فشله أمام التيجرانيين.
الدعم الدولي
وفي تطرق خلال المناقشة حول الأوضاع الداخلية في إثيوبيا، أوضح الدكتور ناصر مأمون عيسى الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والشأن الإفريقي، أن الاقتصاد الإثيوبي بات في حالة تدهور شديد، ويأتي ذلك في ظل غياب الدعم الدولي الذي كان يساند رئيس الوزراء الإثيوبي في الماضي، حيث أن الدول التي كانت تدعمه منشغلة الآن بالأوضاع التي تجري في أوكرانيا وتبعات الغزو الروسي على مختلف دول العالم.
وعند التفكير في الأوضاع التي تجري في أوكرانيا، فكرت في عرض تساؤل حول الغزو الروسي الأخير وما إذا كان سيصب بلعنة قوية على آبي أحمد، حيث أن خطوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المعادية ضد أوكرانيا جعلت الدول التي كانت رئيس الوزراء الإثيوبي منشغلة الآن عنه، فكيف سيتصرف إذا، خاصة وأن دول المصب لن تسمح بإتمام أي خطوة تؤثر على حصتها من مياه نهر النيل، وفي نفس الوقت هو في مواجهة أمام الشعب الإثيوبي الذي بات على يقين من أن ما كان يقوله آبي أحمد لا يزيد عن مجرد أوهام لتحسين موقفه، وحيال هذه النقطة، أوضح الباحث السياسي الدكتور ناصر مأمون عيسى أن رئيس وزراء إثيوبيا في حاجة ماسة للبحث عن وسيلة تساعده على الخروج من هذا المأزق.
ويرى عيسى أن المخرج الذي سيلجأ له آبي أحمد سيكون الدخول في حرب كلامية قوية مع دول المصب، مع خلق عدو وهمي أمام شعبه، الذي سيعمل على إقناعه بأن هذا العدو الوهمي هو السبب في تأخير إكتمال تنفيذ مشروع سد النهضة، أي أنه سيقول أن هناك دول خارجية تقف أمامه وتمنعه من تنفيذ الحلم.
مصر دليل
وفي استفاضة وتوضيح أكد الدكتور مأمون أنه لو كانت تجربة توليد الكهرباء التي عرضت يوم 20 فبراير حقيقية فهذا يعني أن مشروع سد النهضة أوشك بالفعل على الإنتهاء، ومصر لن تسمح بذلك حتى لا يمس حق الشعب المصري من مياه نهر النيل، وعدم وجود أي رد فعل من قبل النظام المصري، فهذا يؤكد أن ما عرض لا يزيد عن مجرد عرض سينمائي هزيل ولا أساس له من الصحة.
وأختتم دكتور ناصر بأن آبي أحمد يحرض مسؤوليه على الخروج بتصريحات تتعلق بسد النهضة وأنه على وشك الإنتهاء، لأنه يريد أن يخرج في المقابل مسؤولون من مصر والسودان للرد عليهم ولكي يعربوا عن رفضهم لمثل هذه الخطوات، وبالتالي يدخل آبي أحمد في حرب كلامية طويلة معهم ويقنع شعبه أن هؤلاء هم من يعرقلون خطواتنا لإتمام حلم السد والكهرباء والطاقة، وبالتالي يطالب شعبه بأن يقفوا معه ويتعاونوا معه، لكنه لن ينجح في مثل هذه التصرفات لأن مصر والسودان أذكى من ذلك بكثير.