التعاون الصيني الروسي.. اختلافا في سياسة الفكر وعلاقة ثنائية أساسها تبادل المصالح

كتب.. عواطف الوصيف

تمكنت الأزمة الروسية الأوكرانية من أن تكون محور رئيسي في مختلف المباحثات، خاصة وأن تبعاتها الخطيرة لن تضفي بظلالها على أوكرانيا فقط بعد الغزو الروسي لأراضيها، وإنما على العالم ككل، على المستويين السياسي والإقتصادي، هذا بخلاف الحرب الغذائية التي من المتوقع أن تندلع في أقرب وقت ممكن، ووسط هذه الأزمات تطرح تساؤلات عديدة عن التعاون الثنائي بين الصين وروسيا، وترى هل من الممكن أن تكون بكين هي طوق النجاة الذي سيتعلق به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمواجهة مخاطر السخط الأمريكي الأوروبي.

 

زيارة روسية للصين

وسط الأزمات التي أندلعت والتي تبلورت في شكل تهديدات متبادلة بين روسيا من جانب والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من الجانب الأخر بسبب أوكرانيا، يتوجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين للمشاركة في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية هناك، ولإجراء لقاء مع الرئيس الصيني شي جين بينج، وكان ذلك في الرابع من فبراير الماضي لأول مرة منذ بداية جائحة كورونا.

وأكد بوتين خلال لقائه مع نظيره الصيني أن العلاقات الثنائية بين البلدين، قد اكتسبت طابعا غير مسبوق ، وأن كل منهما يدعم تنمية وتطور الآخر.

وتابع قائلا: “بالنسبة لعلاقاتنا الثنائية، فهي تتطور بشكل تدريجي حقا، بروح الصداقة والشراكة الإستراتيجية، وقد اكتسبت طابعا غير مسبوق حقا وهي مثال على العلاقات الجديرة التي تساعد بعضها البعض على التطور، وفي نفس الوقت تدعم كل منهما”.

 

الرئيسان فلاديمير بوتين وشي جين بينج

Source: https://arabic.rt.com/business/1321376-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%B9%D8%AF%D8%AA-%D8%AD%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7-%D8%AC%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86/

موقف صيني

من جهته قال الرئيس الصيني، إن الصين وروسيا تدعمان بقوة الجهود المبذولة لحماية مصالحهما الرئيسية في العالم.

وأضاف شي جين بينج أن الثقة المتبادلة السياسية والاستراتيجية بين بكين وموسكو مستمرة في النمو، منوها بأن الصين وروسيا، لا تزالان ملتزمتين بالتنمية المستدامة للعلاقات الثنائية،  وأن الطرفان يدعمان بقوة الجهود المبذولة لحماية مصالحهما الأساسية.

وأعتبر الرئيس الصيني أن الثقة السياسية والاستراتيجية المتبادلة آخذة في النمو ولا يزال الطرفان ملتزمين بالأهداف الأساسية، ويبذلان جهودا دؤوبة من أجل التنمية المستدامة للعلاقات الثنائية، والأهم أنه أكد اتحاد الصين وتعاونها مع روسيا للتغلب على أي أزمات.

 

 

الرئيسان الروسي والصيني
Source: https://www.almasryalyoum.com/news/details/1321631

تحليل دولي

اتفقت كلا من صحيفتي “الجارديان والإندبندنت” على أن زيارة فلاديمير بوتين للصين والتصريحات التي وردت من كلا الزعيمان دليل على تعاون استراتيجي خطير وسيكون له تبعات على النظام الدولي ككل، والأهم أن هذا التعاون الصيني الروسي سيكون لمواجهة التحالف الثلاثي بين أمريكا وبريطانيا واستراليا، حيث عقدت الدول الثلاث اتفاقية أمنية خاصة لتبادل تقنيات عسكرية متقدمة في محاولة لمواجهة النفوذ الصيني.

ومن المقرر أن تتمكن استراليا من خلال هذه الشراكة من بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية، وحملت هذه الاتفاقية اسم “أوكوس”، وستغطي مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمية والإنترنت.

 

 

إتفاقية أوكوس الثلاثية
Source: https://www.nile.eg/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%87%D8%A7%D9%85-%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81-%D8%A3%D9%88%D9%83%D9%88%D8%B3-%D8%AA%D8%AB

في وقت حرج

وعلى الجانب الأخر التفت الإعلام الدولي لموقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأنه إذا كان نظيره الصيني يريد أن يقف أمام التحالف الأمريكي البريطاني الاسترالي من خلال تعاونه مع الدب الروسي، فإن بوتين يعمل على تعزيز علاقاته الثنائية مع الصين في مختلف المجالات بالتزامن مع أندلاع الأزمات بينه وبين دول الغرب، مما جعل الرؤى تتجه نحو محاولات الرئيس الروسي لتعزيز علاقاته مع الصين لتكون سند له بعد غزوه العسكري لأوكرانيا.

 

الصين ما بعد الغزو

بعد فترة وجيزة من زيارة الرئيس بوتين للصين نفذت خطوة الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، ووسط ردود الفعل الدولية التي اتفقت في أن تكون تنديد بهذه الخطوة الروسية، التي وصفها الكثيرون بالجنونية، علاوة على التهديدات التي وجهتها دول أوروبا بفرض عقوبات صارمة ضد روسيا، تخرج الصين ليكون لها رد فعل مختلف وغريب في نفس الوقت.

فقد قالت الصين إنها لم يكن لديها أي علم بموعد الغزو، وأن فلاديمير بوتين لم يتشاور مع نظيره الصيني بأي شكل من الأشكال قبل أن يؤمر قواته بالإنتشار داخل الأراضي الأوكرانية، مما بدى للعالم أجمع وكأن الصين تخللى مسؤوليتها من الغزو الذي حدث وأنها تريد أن تتجنب أي ردود فعل ستطرأ من قبل واشنطن أو أيا من دول الغرب.

وتطرح مزيد من علامات الاستفهام.. هل من الممكن أن تتعزز العلاقات الثنائية بين الصين وروسيا للدرجة التي تؤثر على النظام الدولي، وطالما أن وزير الخارجية الصيني، وانج يي، قد أكد بأن علاقات بلاده مع روسيا هي الأكثر أهمية، مشبها صلابتها بـ”الصخر”، فلم إذا خرجت بكين بتصريح بعد الغزو الروسي لأوكرانيا يوحي بأنها تخللي مسؤوليتها عن أي خطوات روسية قد تتم.

 

الغزو الروسي لأوكرانيا
Source: https://www.bbc.com/arabic/world-60296740

تقارب مصالح

أكد المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأمريكي الدكتور مهدي عفيفي أن أي تقارب صيني روسي فهو لا يزيد عن كونه تقارب مصالح، منوها أن الفكر الصيني يختلف تماما عن الفكر الروسي، حيث أن الصين تهتم بتمددها الاقتصادي، وهي لن تتمكن من تحقيق هذا الهدف بدون الاستهلاك الغربي والأوروبي والأمريكي.

وأشار عفيفي في شرح واف للمركز الأوروبي الشمال إفريقي للدراسات إلى أنه إذا تم وضع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في خندق واحد يمكن حينها قراءة قرابة الـ 70% من إنتاج الصين، خاصة وأن الغالبية من الإنتاج المتميز الصيني تستهلكه هذه الدول، وبدون هذا الاستهلاك يسقط الاقتصاد الصيني.

 

دكتور مهدي عفيفي المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأمريكي

محاولات فلاديمير بوتين

وأفاد الدكتور مهدي أن محاولات روسيا للتقارب مع الصين كانت مكشوفة للعالم أجمع، وهي عبارة عن محاولة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكي يظهر للعالم كعادته أن الصين معه وتدعمه، وفي نفس الوقت تحتاج الصين لنظام استبدادي مثلها لكي تتمكن من تحقيق أهدافها وأطماعها في تايوان.

وأكد عفيفي أن الصين فشلت في محاولاتها لإنهاء التحالف الثلاثي الذي تشكل بين أمريكا وبريطانيا واستراليا، موضحا أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أثبتت أنها على درجة عالية من الحنكة في التعامل مع القضايا الدولية، فقد ظن فلاديمير بوتين أن إدارة بايدن فاشلة مثل إدارة الرئيس الأسبق دونالد ترامب، حيث تمكن الرئيس الروسي في عهد ترامب من الإيقاع بين أمريكا ودول أوروبا، لكن مخططات بوتين مكشوفة تماما أمام الجميع، خاصة وأن أطماعه معروفة وهو نفسه أعلن عنها في يوليو 2021، والآن باتت أكثر وضوحا بعد غزوه العسكري لأوكرانيا.

 

رد الفعل الصيني

وعند التطرق لرد الفعل الصيني وتصريحاتها التي توحي بأنها تخللي مسؤوليتها عن الغزو الذي تم تنفيذه، أوضح عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي الدكتور مهدي عفيفي، أن ردة فعل الصين تثبت أن بكين ليست حليف أساسي لموسكو وأن هناك خلافات جوهرية بين البلدين، موضحا أن عدم الدعم الصيني للرئيس بوتين في غزوه العسكري لأوكرانيا، دليل على أن العلاقات الثنائية بينهما هشة ومجرد علاقة مصالح .

 

وبحسب عفيفي فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن سياسي محنك ويعي جيدا سبل التعامل مع القضايا الدولية منذ أن كان في مجلس الشيوخ رئيسا للجنة السياسات الخارجية أو حينما كان نائبا للرئيس باراك أوباما لمدة ثمان سنوات، لكنه في نفس الوقت لابد من التأكيد على أنه يعمل من خلال منظومة تمثلها شخصيات محنكة تعي جيدا طبيعة الملفات والقضايا الدولية المختلفة وسبل التعامل معها، لذلك كان هناك دعم دولي كبير للولايات المتحدة في مواقفها مع روسيا والرئيس فلاديمير بوتين.

 

الرئيس الأمريكي جو بايدن
Source: https://www.dw.com/ar/%D8%AC%D9%88-%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D9%86-%D9%88%D8%AD%D8%B3%D9%85-%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%A9%D9%83%D9%84%D9%91%D9%85%D8%A7-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D9%86%D9%87-%D8%AA%D9%85%D9%86%D9%91%D8%B9-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87/a-55526520

قدرة استخباراتية أمريكية

وألق المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأمريكي مهدي عفيفي الضوء على دور المعلومات الاستخباراتية، وأكد أنها كانت نتاج تعاون أمريكي أوروبي، وكشفت عن أن نظام فلاديمير بوتين هو نظام كاذب ولا يمكن الثقة به، فبعد سلسلة الزيارات التي قام بها الرئيس الروسي لنظرائه في روسيا وبريطانيا وألمانيا وبعد تأكيداته أكثر من مرة أنه لن يغزو أوكرانيا، إلا أنه بالفعل أتم خطوة الغزو العسكري، مما أدى إلى إنقطاع الثقة من الغرب تماما بروسيا وبنظام فلاديمير بوتين.

 

الرئيس فلاديمير بوتين
Source: https://www.annahar.com/arabic/authors/24022022062947069

هتلر جديد

وأختتم الدكتور مهدي عفيفي بالتأكيد على أن العالم الآن بات على ثقة بأن فلاديمير بوتين يمكن أن يوصف بـ “هتلر الجديد” خاصة وأنه هدد باستخدام السلاح النووي، مما يستوجب مقاومته بأي طريقة، موضحا أنه من المستبعد أن تغامر الصين بعلاقاتها ومصالحها الدولية واقتصادها وتعزز من علاقاتها مع فلاديمير بوتين، إلا ما يسمح لها، فهناك خطوط عريضة مسموحا للصين ممارستها، لكن