الضرب ضد النساء.. آفة يرفضها الدين وممارسة تنتهي بقتل الأبرياء
(ضمن إطار عمل حملة خط أحمر الخاصة بالمركز الآوروبي الشمال أفريقي للأبحاث)
كتبت .. عواطف الوصيف
“ضرب الحبيب زي أكل الزبيب”.. جملة خاطئة تماما حكمة توارثها الأجيال، والكارثة أن هناك نسبة كبيرة من الفتيات والنساء اللائي يعشقن أن الضرب وممارسة
العنف ضدهم من قبل أزواجهن، وهذه الأمثلة السلبية تسببت في نشر ظاهرة العنف الأسري، تلك الآفة التي أنتشرت بشكل كبير وتسببت في قتل فتيات أبرياء كل ذنبهن أنهن وثقن في رجال وقررن أن يسلمهن قلوبهن.
أشباه رجال
وبالتأكيد هناك العديد من الأمثلة التي تعرب عن نساء وفتيات كانوا ضحايا لممارسات العنف، ولكن قبل الكشف عن هذه النماذج، يجب أولا إلقاء الضوء على أن الرجال الذين يتمتعون بممارسة الضرب ضد زوجاتهم لا يزيدوا عن مجرد أشباه رجال.
فهناك فتاة وثقت في رجل بعينه وقررت أن تسلمه قلبها وأئتمنته عائلتها عليها، فواجبه أن يكون على قدر المسؤولية وأن يكون رجل حقيقي، ويحافظ على الأمانة التي سلمت له، ولا شك أن توجيه الزوج لزوجته أمر ضروري لكن دون الاستهانه بها أو تعمد إهدار كرامته، والغريب أن هناك رجالا يظنون أنهم لا يكونوا رجال إلا بضرب زوجاتهن، وتناسوا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : “رفقا بالقوارير”.. فقد النبي محمد الرجال بالنساء خيرا وضرورة التعامل معهن برفق وطيبة قلب.
مقتل طبيبة أسنان
وعند الإلتفات لأهم الأمثلة التي تكشف عن ظاهرة العنف التي تتعرض له المرأ المصرية، هي مقتل طبيبة أسنان العام الماضي في المنصورة، على يد زوجها الذي تعمد قتلها من خلال ضربها 15 طعنة في مناطق متفرقة بجسدها.
تأكد الجميع من صحة الخبر الذي تبعه هروب المتهم إلى الإسكندرية، حتى تمكنت قوات الأمن من إلقاء القبض عليه، واعترف بارتكاب جريمته، لتتحول الجريمة لقضية ينتظر أسرة الضحية الحكم فيها حتى تهدأ النار التي سكنت قلوبهم فور سماع خبر وفاة الابنة الشابة.
محاكمة الجاني
وشهدت محكمة الجنايات جلسات محاكمة طبيب الأسنان والمعيد بكلية الفم والأسنان بإحدى الجامعات الخاصة والمتهم بقتل زوجته الطبيبة ياسمين حسن يوسف، والتي تبلغ من العمر 26 عامًا، عمدًا مع سبق الإصرار، وكان ذلك خلال شهر يناير من العام الجاري، ووجهت النيابة العامة للمتهم تهمة القتل العمد بأنه بيت النية وعقد العزم على التخلص من روح المجني عليها زوجته، وذلك في فجر ثالث أيام عيد الأضحى الماضي.
خلافات زوجية
وقالت النيابة العامة إن المتهم طعن الضحية 15 طعنة نافذة حتى لفظت أنفاسها الأخيرة ولقت مصرعها في الحال، وتبين أن الطعنات كانت من خلال السكين، وفقًا لما جاء في تقرير الصفة التشريحية التي أودت بحياة المجني عليها، في القضية التي تحمل رقم لسنة 2021 قسم ثان جنايات المنصورة، والمقيدة برقم 2658 لسنة 2021 كلي جنوب المنصورة.
مريم ضحية الدقهلية
وعند الإلتفات لمثال أخر يفجع القلب مثلما حدث مع الدكتورة ياسمين يوسف، نجد الضحية مريم أبنة المنصورة التي قتلت على يد زوجها الذي تعمد طعنها بعد مشاجرة حادة بينهما.
وقالت خالة الضحية إن مريم أجرت إتصال هاتفي بوالدتها وأخبرتها أن هناك مشادة بينها وبين زوجها، فتوجهت الأم لمنزلها لتجدها جثة ملقاةعلى الأرض ومذبوحة من رقبتها وغارقة في دمائها.
وأضافت أنهم عرفوا من الجيران، أن زوجها بعد ارتكابه للجريمة خرج لشرفة منزلهم وصاح مرددا.. “أنا ذبحت مراتي”، وبعدها ألقى بنفسه من الشرفة إلى الشارع، معترفا أمام الجميع بارتكابه للواقعة.
وانتقل ضباط مباحث المركز إلى مكان البلاغ، وبالفحص تبين العثور على جثة سيدة 21 سنة مقتولة، وتبين أنها طالبة جامعية فى الفرقة الرابعة، وبالفحص والتحرى تبين نشوب مشاجرة بين المجنى عليها وزوجها، حيث قام الأخير بقتلها بسكين داخل منزل الزوجية.
ضرب بالشبشب
وننتقل الآن لمثال أخر ومختلف معبر أيضا عن اسوأ صور ممارسة العنف ضد النساء، لكن هذه المرة لم ينتهي الأمر بالقتل والذبح، وبطلة القصة هذه المرة هي “خلود” التي أكدت بالقول :”خلع زوجي الشبشب، وأمسك بالحزام، وانهال علي ضربا بهما. وعندما تدخل أبي للدفاع عني، دفعه زوجي بشدة حتى سقط على ظهره”.
فقد أفادت خلود أن زوجها تعمد ضربها في منزل الزوجية دون احترام لوجود والديها في المنزل، لتهرع بملابس البيت إلى مركز الشرطة وتبلغ عن ماحدث لها وقد ساعدها توثيق هذه الحادثة في إقامة عدة دعاوى قضائية ضد الزوج.
معاناة من شهر العسل تنتهي بالطلاق
وتقول خلود إن معاناتها مع العنف الزوجي بدأت بعد أيام قليلة من الزفاف؛ حين تلقت أول صفعة على وجهها وهي لا تزال في شهر العسل، وقد نجحت الزوجة في الحصول على حكم قضائي بالطلاق، وقضت المحكمة بحبس زوجها لمدة أسبوع بسبب واقعة ضربه لها.
حالة شاذة
وبعد استعراض موجة من الأمثلة التي تكشف عن آفة خطيرة تعاني منها النساء في مصر وهو ممارسة العنف ضد النساء، ننتقل الآن لحالة أمثالها يتسبب في زيادة الممارسات الظالمة ضد المرأة، تلك الحالة هي “عروس الإسماعيلية” التي أقل ما يستوجب أن توصف به أنها حالة شاذة.
فقد انتشرت خلال الأونة الأخيرة فيديو لعريس وعروس ينتمون لمحافظة الإسماعيلية، وأثناء زفة العروسين، تعمد العريس ضرب زوجته أمام الجميع بطريقة مبرحة وغير عادية، وفي بداية الأمر واجه هذا العريس الذي للأسف يلقب بأنه “رجل”، موجة من الانتقادات والمطالبات بضرورة محاسبته، أما العروس المسكينة في المقابل واجهت تعاطف من الجميع، وأنه كتب عليها أن تعيش مع نموذج لا يحق له أن ينعم بمتع الحياة، حتى خرجت بتعقيب على ما حدث لها كان بمثابة صدمة فجائية.
العادي عندينا.. وأصلي عصبته
ولأن هذين العروسين كانوا حديث مختلف مواقع التواصل الإجتماعي بشكل غير عادي، أجري معهما أحاديث صحفية، ليخرج العريس ويقول :” الضرب هو العادي عندينا”، وأن أبيه وعمه يضربا زوجاتهما، وأن هذا أمر عادي والكارثة أن القيام بمثل هذه التصرفات السلبية دليل على الرجولة بينهم.
أما العروس الشاذة خرجت لتدافع عن زوجها وتؤكد أنها هي من تسببت في إثارة أعصابه مما جعله أجبر على ضربها، أي أنها تلتمس له العذر وكان أمر طبيعي أن يضربها، تلك المثال التي بسبب عقليتها تؤيد نشر مبدأ إهدار كرامة المرأة التي من رحمها يخرج ألف رجل.
أمثلة تستحق
لا شك أن هناك أمثلة من النساء والفتيات اللاتي يستحقن العقاب بسبب تصرفاتهن، والله عز وجل وضح خطوات محددة وبالتدريج للتعامل مع بعض النساء اللاتي يستحقن العقاب، فقد قال سبحانه في كتابه الكريم :” الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا”… صدق الله العظيم.
فقد أفاد الدين أنه حتى النساء اللاتي يستحق الضرب والعقاب، فإن الضرب هو أخر وسيلة تتبع معهن، وحتى إذا وجد الزوج أن زوجته تستحق الضرب وقد استنفذ كل السب معها، فإن الضرب لا يمارس أمام العامة، فالحفاظ على كرامة زوجته أمر ضروري أمام الناس لأنها من كرامته، ذلك المحور الإنساني الذي ربما لم يسمع عنه عروسي الإسماعيلية.
زوجة سيدنا أيوب عليه السلام
وتأكيدا على أن الدين قد تناول موقف الزوج من زوجته إذا اساءت الأدب معها، وحكم ضربها، فقد أساءت زوجة سيدنا أيوب له خلال فترة مرضه، فمن المعروف أنها تحملت معه الكثير وحينما طالبته بأن يدعو ربه بأن يخفف عنه ما هما فيه، أوضح لها أنه يخجل من الله تعالى.
فقد من الله عز وجل على سيدنا أيوب لسنوات بالمال الوفير والبنون، ولكن حينما واجه الإبتلاء أعتبره النبي الكريم اختبار من الله وأصر على النجاح فيه، لكن زوجته بدأت أن تشعر بالتعب ودون أن تقصد تحدثت بحدية مع سيدنا وبإسلوب لا يليق وهو زوجها والأهم أنه نبي الله عز وجل، فأقسم سيدنا أيوب أنه حينما يسترد عافيته سوف يضربها.
وحينما من الله على النبي الكريم واسترد عافيته، فقد قال الله تعالى : ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ”.
وقال سبحانه : “ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ”.
حرصت زوجته أن تذكره بالقسم الذي قاله وهو أنه حينما يسترد عافيته سيضربها تأدبا لها، وكانت النتيجة أنه ضربها بالفعل لكن هذا الضرب كان مجرد خبطات خفيفة جدا على ذراعها أي أنها كانت مجرد “طبطة خفيفة جدا”.
قال تعالى : ” وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ”.
تعجبت الزوجة واعتبرت أن ذلك ليس بضربا على الإطلاق، فبتسم لها سيدنا أيوب وأكد لها أنها صبرت معه كثيرا وتحملت العديد من الأمور الصعبة ويستوجب عليه أن يراعي إخلاصها معه وأن لا يهنيها على الإطلاق لأنها زوجته التي وقفت بجانبه في أحنك الظروف.
موقف إمام الدعاة
وردا على عروس الإسماعيلية التي بررت موقف زوجها وضربها لها أمام المارة في الشارع، معللة بأنها تسببت في عصبيته، فقد كان إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي ساكنا في منطقة الأزهر مع أسرته بجوار إمام سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه، وحينما كان عائدا لبيته، سمع سيدة تصرخ بسبب ضرب زوجها لها في الشارع أمام المارة.
فسارع الشيخ الشعراوي إلى هذا الرجل ودافع عن زوجته ووبخه قائلا : “إيه اللى بتعمله ده في راجل محترم وعنده نخوة يضرب مراته ومش مكسوف تضربها قدام الناس ياأخي اختشي على دمك”.
وحاول الزوج الدفاع عن نفسه قائلا : ” يا مولانا أنت رجل دين وعارف أن الدين بيدي للراجل حق أنه يضرب مراته زي ما هو عايز”.
ولم يصمت إمام الدعاة وإنما رد عليه بالدين قائلا :”طالما بتتكلم عن الدين بقى متعرفش أنت بقى أن الضرب أخر حاجة ربنا حكم بيها في تأديب الراجل لمراته، الأول يا أخي يوعظها يحذرها يخوفها حتى وإذا أضطر أنه يضربها يبقى براحة وواحدة واحدة من غير لا يأذيها ولا يوجعها، وبعدين لو الزوج اضطر يضرب مراته ميكونش في الشارع قدام الرايح والجاي، دي أمانة في رقبتك ولازم تحافظ عليها يا أخي رفقا بالقوارير”.
كان موقف الزوج أنه اعتذر للشيخ محمد متولي الشعراوي ولزوجته والأكثر من ذلك أنه قبل رأسها أمام المارة الذين ضربها أمامهم.