مقتل “أبو حمزة اليمني”…واستراتيجية أمريكا في استهداف قادة التنظيمات

كتب .. د. حمادة شعبان

 

مشرف بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف

أعلن الجيش الأمريكي أمس الثلاثاء مقتل “أبو حمزة اليمني” القيادي في تنظيم “كتائب حراس الدين” الموالي لتنظيم القاعدة، وذلك في ضربة جوية في محافظة إدلب السورية استهدفت دراجته النارية. ويعد “اليمني” ثالث قيادي تنظيمي تستهدفه الولايات المتحدة منذ فبراير الماضي، ضمن استراتيجيتها في استهداف قادة التنظيمات، وسوف نتعرف في هذا التقرير على مزيد من التفاصيل على النحو الآتي:

 

مصدر: الحدث.نت
https://www.alhadath.net/syria/2022/06/28/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%87-%D8%AA%D9%81%D8%AD%D9%85%D8%AA-%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%88-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%AD%D9%85%D8%B2%D8%A9-%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AA%D9%8A%D9%84#

أولًا: استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في استهداف قادة التنظيمات الإرهابية

        بعد أحداث 11 سبتمبر أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على الإرهاب بتأييد من الدول الغربية، وكان ضمن هذه الحرب استهداف قادة التنظيمات بالقبض عليهم أو تصفيتهم عن طريق غارات جوية مكثفة أو طائرات بدون طيار بعد رصد أماكنهم، وأماكن تحركاتهم بالتعاون مع عناصر محلية تعيش في مناطق الصراع. كما أعلنت الولايات المتحدة عن مكافئات مالية كبيرة لمن يرشد عن أماكن قادة معينين. وقد نجحت هذه السياسة في تصفية كثير من قادة تنظيم القاعدة وقادة حركة طالبان في أفغانستان. كما استمرت السياسة نفسها في عصر الرئيس “باراك أوباما” ضمن استراتيجيته في الحرب على داعش، ونجحت هذه الاستراتيجية في القضاء على كثير من قادة التنظيم. وهذه الاستراتيجية التي لايزال يُثق بها من قبل رجال المخابرات الأمريكية مرتبطة عن قرب بسوق قوات أمريكية خاصة إلى مناطق الصراع يتعاونون مع عناصر محلية يزداد الاعتماد عليها تدريجيًا.

 

        ومن أشهر من تم تصفيتهم بهذه الطريقة “أبو مصعب الزرقاوي” في عام 2006، و”أسامة بن لادن”، عام 2011، و”أبو مسلم التركماني” عام 2015، و”أبو محمد العدناني” عام 2016، و”أبو الخير المصري” في عام 2019، “أبو بكر البغدادي” عام 2019، و”أبو إبراهيم القرشي” عام 2022. وهو الأمر الذي تفاعل معه تنظيم داعش، واتخذ من الاحتياطات والتدابير الأمنية ما يمكن أن يجنب قياداته هذا المصير. ومن أهم الإجراءات التي اتخذها داعش كي يأمن قادته عدم ظهورهم في الإعلام، فـ “أبو بكر البغدادي” لم يظهر سوى مرتين، الأولى عام 2014 على منبر “مسجد النوري الكبير” ليعلن قيام دولته المزعومة، والثانية عام 2019 ليعلن انتهاء سيطرته المكانية بسقوط “الباغوز”. كما اختبئ “البغدادي” في الريف الشمالي لمحافظة “إدلب”، وهي منطقة لا يخطر على بال أحد أنه يختبأ فيها، لأنها تقع تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام”، التي نشبت بينها وبين داعش معارك وجودية، والتي هدد زعيمها “الجولاني” بشن حربٍ على “داعش” ليس في سوريا فقط، بل وفي عقر داره في العراق.

 

وبالرغم من هذه الإجراءات والاحتياطات الأمنية تم تحديد المكان الذي كان يختبئ فيه “البغدادي”، وتم استهدافه فجر الأحد 27 أكتوبر 2019. وتفاعل “داعش” مع هذا الحدث أيضًا، واتخذ اجراءات واحتياطات أمنية أكثر تشددًا لحماية خليفة “البغدادي” “أبو إبراهيم القرشي”، الذي لم يظهر ولو مرة واحدة في أي وسيلة إعلامية، وكان يختبئ في نفس المنطقة التي قُتل فيها سلفه “البغدادي”. وبالرغم من ذلك تم استهدافه بسرعة أكبر من سلفه، وقُتل في عملية إنزال جوية للقوات الأمريكية في 3 فبراير 2022. هذا الأمر جعل التنظيم يخفي هوية زعيمه الجديد “أبو الحسن الهاشمي”، ويؤكد أن إخفائه لهوية هذا الرجل هو لدواعي أمنية.

 

ثانيًا: من هو “أبو حمزة اليمني”؟

“أبو حمزة اليمني” مقاتل أجنبي غير معروف هويته ولا جنسيته ولا متى دخل إلى سوريا. اشتُهر بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مقتله ومعه “أبو البراء التونسي” في سبتمبر 2021 بضربة جوية قرب مدينة “بنش” التابعة لمحافظة “إدلب”، واتضح بعد ذلك أن قوات التحالف استهدفت سيارة “اليمني” لكنه لم يكن بداخلها. ووفقًا لتقارير صحفية انضم “اليمني” إلى فصيل “جند الأقصى” القاعدي، أحد الإفرازات الناتجة عن الاقتتال بين داعش وجبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، والذي تشكله نسبة كبيرة من المقاتلين الأجانب. وانضم “اليمني” إلى “هيئة تحرير الشام” عام 2016 بعد هجوم تنظيم “أحرار الشام” على “جند الأقصى”، وانشق عنها في العام ذاته مع مجموعة أخرى، وأسسوا تنظيم “حراس الدين” في عام 2018، الذي ظل حتى الآن مواليًا للقاعدة. ووفقًا لموقع “أخبار الآن” كان “اليمني” قياديًا بارزًا في “حراس الدين”، لعب دورًا رئيسًا في تعزيز أيديولوجية القاعدة المتطرفة وفي التحريض على عمليات إرهابية.

 

مصدر: BBC News و تقارفت نيوز

ثالثًا: تنظيم حراس الدين

هو تنظيم قاعدي أسسته مجموعة انشقت عن تنظيم “جبهة النصرة” ــ هيئة تحرير الشام ـــ بعد إعلان “أبو محمد الجولاني” انشقاقه عن تنظيم القاعدة في يوليو 2017، وهو الأمر الذي أثار غضب مجموعة كبيرة من عناصر “النصرة” وقادتها، وأعلنوا معارضتهم للجولاني، الذي بدأ حملة اعتقالات واسعة لمن اعترض على قراره بالانفصال. وكان من أشهر المعتقلين “سامي العريدي” المسئول الشرعي في “النصرة”، و”أبو جليبيب”، و”أبو همام الشامي”، وغيرهم. ووسط هذه الأجواء الملتهبة تأسست مجموعة جديدة في فبراير 2018 تسمى “حراس الدين”، بقيادة “أبو همام الشامي”. ظل تنظيم “حراس الدين” على ولائه للقاعدة وزعيمها “أيمن الظواهري”. ومنذ تأسيسه ناصبته هيئة تحرير الشام العداء، واعتقلت عددًا كبيرًا من أفراده، وصادرت أسلحته، وكان يمكنها القضاء عليه كلية لولا رغبة “الجولاني” في إبقاء بعض عناصر “حراس الدين” في الصورة، حتى يثبت للمجتمع الدولي من خلال حربه لها أنه يحارب الإرهاب، بل وجزء من الحرب على الإرهاب في سوريا.

 

رابعّا: هل مقتل القادة له تأثير على القواعد التنظيمية؟

        يعتقد كثيرون أن مقتل أي زعيم لأي تنظيم إرهابي قد يؤدي إلى ضعف التنظيم وربما تفككه. والحقيقة أن هذا الأمر ليس دقيقًا خصوصًا في التنظيمات التي تشكلت على أسس أيديولوجية وفكرية، لأن هذه التنظيمات تقاتل من أجل فكرة وليس من أجل شخص، مهما كانت الكاريزما التي يمتلكها هذا الشخص. والتاريخ يثبت ذلك فقد قُتل “أسامة بن لادن”، ولم ينته تنظيم القاعدة، كما قُتل “أبو بكر البغدادي” ولم يتفكك تنظيم داعش. قد يؤثر مقتل القائد أو الزعيم في التنظيم على المدى القصير، حيث يعيد التنظيم ترتيب أوراقه وأولوياته وتركيبه التنظيمي.. وغيرها من الأشياء التي قد تجعله ينغلق على نفسه فترة من الوقت.

 

 وهنا يمكننا القول إن القضاء على الإرهاب يتطلب جهودًا كثيرة ليست أمنية فقط، بل دينية وإعلامية واقتصادية وتوعوية …. من أجل تجفيف منابع التطرف وروافده الفكرية ومن ثم القضاء على الإرهاب.