استهداف ماهر العقال…. وأثر ذلك على داعش

 

كتب.. د. حمادة شعبان، مشرف بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف

 

أعلن البنتاغون) أمس الثلاثاء 12/ 7/ 2022، مقتل “ماهر العقال” أحد قادة تنظيم “داعش” في سوريا، في غارة أميركية بطائرة مسيّرة بدون طيار بالقرب من مدينة “جندريس” شمالي غرب سوريا. من جهته أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في بيان نشره البيت الأبيض أن موت “ماهر العقال” هو إخراج لإرهابي خطير من الميدان، وأن هذا سوف يحد بشكل مؤثر من قدرات تنظيم داعش التخطيطية والعملياتية، مشبهًا هذه العملية بعملية مقتل “أبو إبراهيم القرشي” في فبراير الماضي، ومؤكدًا على أن مثل هذه العمليات تعد تتويجًا لعمل استخباراتي دقيق ودليلًا على شجاعة ومهارة القوات المسلحة الأمريكية، وتبعث رسالة قوية إلى جميع الإرهابيين الذين يهددون الولايات المتحدة ومصالحها في جميع أنحاء العالم.

وفي هذا التقرير سنعرف من هو “ماهر العقال”، وما أثر موته على التنظيم؟”، وذلك على النحو الآتي:

أولًا: من هو ماهر العقال؟ 

 

 هو أحد قادة تنظيم داعش وعقوله المخططة للعمليات الإرهابية داخل سوريا وخارجها. وهو شقيق “أبو سعد الشمالي فايز العقال” الذي انشق عن “جبهة النصرة”، وانضم إلى “داعش”، وتولى منصب والي “الرقة”، وقتل في 20 يونيه 2020 في غارة جوية لطيران التحالف[i]. وله شقيقان آخران هما “خالد العقال” إعلامي في وكالة أعماق الداعشية، و”فاضل العقال” مسئول المفخخات في التنظيم.

 

وفي 12 يناير 2021 نشر موقع “صون دقيقة” التركي بيانًا لوزارة الداخلية التركية جاء فيه أنه ألقي القبض على إرهابي داعشي يُدعى “عزو خلف سليمان العقال” الذي أمن دخول متفجرات إلى تركيا لتنفيذ هجمات إرهابية. وأضاف البيان أن هذا الإرهابي هو مساعد “ماهر العقال” المعروف حركيًا بـ “أبو البراء الشمالي” المخطط للعديد من الهجمات الانتحارية مثل الهجوم الذي وقع في 12 يناير 2016 في ميدان “السلطان أحمد” في استانبول، وراح ضحيته 10 سياح ألمان، وأصيب 16 آخرين، 14 منهم يحملون جنسيات أجنبية، وكذلك الهجوم الذي وقع في 20 يوليو 2015 في مدينة “سوروج” التابعة لولاية “شانلي أروفه” وراح ضحيته 33 شخصًا، وأصيب 86 آخرين. وفي أثناء التحقيقات التي أجرتها الشرطة التركية مع “عزو العقال” قال إنه انضم إلى “داعش” في عام 2014، وتلقى تدريبات عسكرية وأيديولوجية. كما اعترف بأنهم أرسلوا المتفجرات إلى “تركيا” بناء على تعليمات من “ماهر العقال”، وأنهم نفذوا عملية “السلطان أحمد” بهذه المتفجرات بعد حوالي شهرين من وصولهم[ii].

ثانيًا: ما هو تأثير مقتل “ماهر العقال” على داعش؟

 

 لا شك أن مقتل أي قيادي في أي تنظيم له تأثيرات سلبية على التنظيم، وتأثيرات إيجابية على الدول التي تحارب الإرهاب؛ حيث يُعد مقتل زعيم أي تنظيم إرهابي بمثابة نجاح تكتيكي لجيش الدولة التي قتلته، وعامل أساسي في رفع الروح المعنوية لدى قيادات هذا الجيش وأجهزته الاستخباراتية. ومن ثم نجد رؤساء الدول يتصدرون مشهد الإعلان عن مقتل زعماء التنظيمات، وهو الأمر الذي رأيناه من الرئيس الأميركي “بارك أوباما” عندما أعلن مقتل “أسامة بن لادن” في عام 2011، و”دونالد ترامب” عندما أعلن مقتل “أبو بكر البغدادي” في عام 2019، و”إيمانويل ماكرون” عندما أعلن مقتل “أبو الوليد الصحراوي” في عام 2021، و”جو بايدن” عندما أعلن مقتل “أبو إبراهيم القرشي” في فبراير الماضي.

ولكن لا شك أيضًا أن تأثير مقتل القادة على التنظيمات التي بنت تطرفها على فكر وأيديولوجيا لا يكون تأثيرًا قويًا، وغالبًا ما يكون تأثيرًا على المدى القصير، قد يتسبب في عدم القيام بعمليات قوية لفترة ما، أو انكفاء التنظيم على نفسه لبعض الوقت، لكنه لا يسبب انهيار التنظيم وتفككه. وقد رآينا ذلك في تنظيم القاعدة الأم الذي لم يتفكك بعد مقتل “أسامة بن لادن” ومقتل ابنه “حمزة”، وكذلك “داعش” الذي قُتل جميع قياداته التاريخية والكاريزمية، وما زال التنظيم موجود حتى الآن. وهذا يؤكد على أن مثل هذه التنظيمات الأيديولوجية تنتمي للأفكار وليس للأشخاص، ويؤكد ذلك وجود تنظيم داعش الآن تحت إمرة “أبو الحسن الهاشمي” الذي لا يعرفه أحد من التنظيم سوى مجلس الشورى الذي اختاره.

كما يتميز تنظيم داعش عن غيره من التنظيمات الأخرى بتقديم خطاب إعلامي قائم على عدم تصدر زعيمه المشهد، مهما كانت قوة هذا الزعيم الخطابية، فـ “أبو بكر البغدادي” لم يظهر إعلاميًا سوى مرتين الأولى في عام 2014 من على منبر مسجد “النوري الكبير” في “الموصل”، ليعلن قيام دولته، والثانية في عام 2019 في مكان مجهول ليعلن انتهاء سيطرة تنظيمه المكانية. أما خليفته “عبد الله قرداش” فلم يظهر قط على أي وسيلة إعلامية منذ توليه قيادة التنظيم عام 2019 وحتى مقتله في فبراير 2022. وهذه استراتيجية إعلامية لدى تنظيم داعش، قائمة على ربط أفراد التنظيم بفكرة الدولة وليس بقائد أو زعيم. على العكس من تنظيم القاعدة الذي تصدر فيه “بن لادن” وبعده “الظواهري” المشهد الإعلامي.

خلاصة القول إن القضاء على الإرهاب يتطلب جهودًا فكرية إلى جانب الجهود العسكرية، لأن التطرف الفكري هو الذي يؤسس الإرهاب، والأفكار لا تموت بموت من يحملونها، إنما تموت وتنتهي بإظهار خطأها وبيان فسادها وتجفيف منابعها وحواضنها.

 

المراجع:

 

[i]https://www.jesrpress.com/2020/06/20/%D9%81%D8%A7%D9%8A%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%83%D8%A7%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D9%86%D8%A7%D8%B4%D8%B7%D9%88%D9%86-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81%D9%88%D9%86/

 

[ii]https://www.sondakika.com/haber/haber-sultanahmet-ve-suruc-saldirisinin-suphelisi-13862265/