قراءات في كتاب (حول الحكم والإدارة)
.كتب: د.كريم العمدة استاذ الاقتصاد واكاديمى ومحاضر فى جامعات مصرية
لا تكاد تخلو تجربة نهوض اقتصادي في العالم إلا بالاقتباس من التجربة الصينية في جميع المجالات لما تتمتع به الصين من مكانة متقدمة في السياسة والاقتصاد والجغرافيا والديموغرافيا، الصين التي تعتبر الأولى في عدد سكان، وايضا ثاني أقوى اقتصاد بعد الولايات المتحدة بغضون سنوات قليلة بمعدلات نمو هي الأسرع في العالم، فيما تحتل مساحتها المركز الثالث عالمياً، وتسعى الانتقال بالمليار ونصف المليار إنسان من مواطنيها إلى العيش الرغيد وفق ما يعرف بسياسة الاكتفاء الذاتي فيما تمكنت بلاد التنين إلى القضاء على الفقر نهائياً مع نهاية عام 2020م في تجربة فريدة من نوعها.
دعونا في البداية نتذكر أحد أهم أهداف الصين وهو هدف “جعل جميع الصينين يعيشون حياة أفضل” لا يمكن انكار أن تجربة التنمية الشاملة الصينية هي تجربة ملهمة للجميع وهي ايضاً طريق صعب وأن الإصلاح الاقتصادي دواء مر كلما ذادت مرارته كانت نتائجه أسرع.
وهنا نسئل أنفسنا سؤال هام كيف استطاعت الصين تحويل مشاكلها إلى حافز للنهضة الكبرى، وايضاً كيف استطاعت تحويل التحديات الى فرص واعدة للبناء والعبور إلى المستقبل وحتى نعرف السر ولم يعد سراً لأن الصين كما هو معروف عنها لا تبخل بالمعرفة والعلم فهي سخية جداً في تقديم ونشر ثقافتها وايضاً في نقل وتوطين التكنولوجيا للدول الصديقة مع ترسيخ مبدأ التعاون بين الجميع بما يسمى الكل “رابح رابح”.
وهو ما يفسر تلك المبيعات الضخمة التي نالها كتاب الرئيس الصيني الحالي “شي جين بينغ”، حول الحكم والإدارة خاصةً المجلد الثالث ، وذلك للوقوف على الخطوات التي قطعتها الصين نحو التقدم والتنمية ، وسماع التجربة والتعمق فيها من أحد صانعي القرار السياسي والاقتصادي، والذي عايش فترتي التأسيس والإصلاح والانفتاح، بل وقفزت الصين بعهد سنواته العشر الأولى التي بدأت عام 2013م كرئيس للبلاد من ناتج محلى أجمالي 9,5 تريليون دولار أي ما يساوى 12,5% من حجم الاقتصاد العالمي الى 17,5 تريليون دولار أي ما يساوى 18,5% من حجم الاقتصاد العالمي وحققت نمواً سنويا يزيد عن 10% في بعض السنوات لتسبق كل من الجار الياباني والمنافس الأمريكي الذى يتوقع المراقبين أن تتخطه على عام 2030 لتكون الصين الاقتصاد الأول عالمياً لأول مرة في التاريخ .
ثقافة بناء الذات هي عنصر أساسي في نشر تجربة الصين الملهمة لجميع البلاد النامية ولا يمكن إغفال أن خروج 700 مليون مواطن صيني من دائرة الفقر في أكبر عملية تنمية من نوعها، مع ترسيخ فكرة التنمية الشاملة وجعل المجتمع بالكامل منتج هو هدف عظيم، بناء الصين كدولة اشتراكية حديثة غنية وقوية ومتحضرة هي سمات لم يغفلها مؤتمر الحزب الشيوعي الـــــ19 من تقديم رؤية شاملة للبناء الاقتصادي والسياسي والثقافي.
مبدأ الضمانات الثلاثة هو بمثابه رفع روح التعاون والانتماء لأبسط حقوق المواطن في أي دولة من (التعليم الإلزامي، الرعاية الصحية، والسكن الملائم) بناء الموطن هي معركة أساسية خضتها الصين وكان عام 2020 هو يوم إعلان الانتصار وهو عام الفصل في حل تلك المشكلات، دعونا نتخيل حجم المشكلة والتحدي الكبير 600 الف طفل توقفوا عن الدراسة واغلبهم في الريف، أما الرعاية الصحية فلم تتوافر لعدد من الفقراء وبعض القرى الفقيرة التي لا يوجد بها عيادات وأطباء أما السكن الملائم تحتاج 1,6 مليون اسرة إلى إصلاح منزلهم وايضاً يوجد ملايين يواجهوا مشكلة نقص مياه الشرب، والحل يكمن باختصار في الإدارة الجيدة ومن ثم يأتي التخطيط السليم المركزي ووضع برنامج التنفيذ بشكل مفصل مع ضمان أن المساعدات موجهة للأسر الفقيرة .
وضع في الكتاب ايضاً وجبة معرفية أخذت القارئ إلى كيفية تحسين وتطوير وبناء النظام المؤسسي للبلاد، والتوعية بالمخاطر المحتملة والمقاربة الكبيرة في الدمج ما بين القوانين والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تحقق إصلاحاً مرناً يتناسب مع العولمة ويأخذ بعين الاعتبار خصوصية الصين وشعبها، والعمل الجاد لجعل الصين مركزاً علمياً رئيسياً في الابتكار، وقد شارك “شي جين بينغ” الناس أفكار اللجان الصينية وآلية عملها خطوة بخطوة، وصولاً إلى ما بعد ثلاثين عاماً من الآن، بسرد التجربة في استشراف المستقبل بشكل واقعي ومدروس، لتحقيق الحلم الصيني ولكن دون أن يكون حالماً غير قابل للتطبيق.
كتاب حول الحكم والإدارة يعالج فيه الرئيس الصيني 19 موضوعاً، من خلال تلخيص خطاب وكلمات ألقاه خلال مسيرته الحزبية ضمن الحزب الشيوعي، وما انبثق عنه من مؤتمرات ولجان كان له دور مؤثر فيها، خاصة تلك الحقبة الإصلاحية التي ساعدت بإغراء كبريات الشركات وتشجيع المستثمرين للدخول إلى السوق الصينية، كما أضاف الرئيس “شي جين بينغ” هوامش تساعد الباحثين والدارسين في دعم مشاريعهم وتعميق فهمهم لخفايا الأمور وخباياها، لتتحول 650 صفحات إلى إرث معرفي قد يشكل دستوراً ومرجع ملهما لتجارب مماثلة، خاصة وأن الاقتصاد الصيني اصبح محرك ومصنع العالم، إضافة إلى الحلول المجتمعية في إدارة الموارد البشرية وتطويع الديموغرافيا المليارية بما يتناسب مع الإمكانات المتاحة وخلق الحلول بدلاً من انتظارها.